الحرب والنزوح وكورونا … ثلاثي حاصر السوريين عام 2020
ينتهي عام ويبدأ عام جديد على أمل أن يحمل بطياته ما ينهي مأساة السوريين، ليكون توقف القصف والاستقرار وعودة المهجرين ومحاسبة النظام وحلفائه الأمل الذي ينتقل مع السوريين من عام مضى إلى عام مقبل.
مرَّ عام 2020 على السوريين كغيره من الأعوام السابقة، بما حمله من ألم وأمل، ولكن مع اختلاف بالمشهد العام، وقد يكون الأبرز منذ سنوات، حيث تسارعت الأحداث فيه سواء على المستوى الداخلي بما شهده من أكبر موجة نزوح وسيطرة قوات النظام على مساحات واسعة من ريفي إدلب وحلب، وما تبع ذلك من وقف لإطلاق النار، يمكن وصفه بأنه الوحيد الذي نجح نسبياً منذ عام 2011.
أو على المستوى الدولي وظهور فيروس كورونا وتداعياته الكبيرة على الدول، إذ انقلبت الحياة فجأة على الكوكب رأساً على عقب، وتأثر الشمال السوري بهذا الفيروس وتداعياته بشكل كبير.
شهران من الحرب أعقبهما وقف لإطلاق النار
مع بداية عام 2020 كثّف النظام وحليفه الروسي حملتهم العسكرية على الشمال السوري التي بدأت في 25 نيسان عام 2019، وكان شهرا كانون الثاني وشباط كارثيان على المدنيين بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وسقط فيهما مئات المدنيين ضحايا لقصف النظام وروسيا، وشهدا أيضاً أكبر موجة نزوح في تاريخ سوريا، إلى أن تم التوصل لوقف إطلاق نار في 5 أذار ودخل حيز التنفيذ في 6 آذار، وبالرغم من التوصل لوقف إطلاق النار إلا أن النظام وروسيا واصلوا هجماتهم ولكن بوتيرة أخفض نسبياً.
واستجابت فرق الدفاع المدني السوري، خلال 2020 لأكثر من 3470 هجوماً جوياً ومدفعياً من قبل قوات النظام وروسيا، وتسببت تلك الهجمات بمقتل 597 شخصاً، من بينهم 133طفلاً و72 امرأة، فيما فقد الدفاع المدني السوري متطوعين اثنين أثناء الاستجابة وانقاذ أرواح المدنيين، ومن بين تلك الهجمات كان أكثر من 914 هجوماً، تم شنه بعد قرار وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في 6 آذار 2020، ما تسبب بمقتل 113 شخصاً بينهم 5 أطفال.
وتمكن الدفاع المدني السوري خلال عام 2020 من إنقاذ أكثر من 1350 شخصاً من تحت الأنقاض، من بينهم 325 طفلاً و204 امرأة، وأغلبهم(1174شخصاً) تم إنقاذهم قبل قرار وقف إطلاق النار.
أكبر موجة نزوح
خلال الأيام الأخيرة من عام 2019 وحتى 5 آذار 2020 سجلت فرق منسقو استجابة سوريا نزوح أكثر من مليون و40 ألف شخص، وهذه أكبر موجة نزوح تشهدها سوريا خلال السنوات العشر الماضية، أغلبهم نزحوا من ريف حلب الغربي وريف إدلب الجنوبي والشرقي وريف حماة الشمال والغربي، وتوجه أغلب النازحين نحو المناطق الحدودية بريفي إدلب وحلب.
وبعد قرار وقف إطلاق النار عاد ما يقارب 350 ألف شخص، وخلال شهري حزيران وتموز، عادت حركة النزوح من عدة مناطق بينها منطقة سهل الغاب وجبل الزاوية، حيث تم تسجيل نزوح أكثر من 10 آلاف شخص جراء تجدد القصف المدفعي اليومي على تلك المناطق.
وتسببت موجة النزوح بأزمة إنسانية في الشمال السوري خاصة، مع ارتفاع أعداد النازحين وتقليص المساحة التي يعيشون فيها، وحتى الأعداد القليلة من النازحين والتي تمكنت من العودة إلى مناطقهم القريبة من خطوط التماس، يعيشون حالة خوف دائمة بسبب تصاعد احتمالات شن أي حملة عسكرية جديدة عليهم من قبل النظام وروسيا، فيما تستحيل عودة المهجرين من مدن وبلدات كثيرة لأنها باتت تحت سيطرة مطلقة لقوات النظام ونتائج العودة تشمل القتل أو الاعتقال والموت تحت التعذيب.
الهجمات وأهدافها
استهدفت الهجمات التي شنها النظام وروسيا المرافق العامة والبنية التحتية بشكل مباشر، حيث استمرت قبل وقف إطلاق النار سياسة الأرض المحروقة باستخدام كافة أنواع الأسلحة ضد المدنيين، ووثقت فرق الدفاع المدني السوري استخدام أكثر من 23 ألف قذيفة مدفعية وغارة جوية وذخيرة متنوعة في الـ 3303 هجمة التي تم توثيقها خلال عام 2020، وتوزعت على 1370 هجوماً بالغارات الجوية، وأكثر من 1700 هجوما بالصواريخ والقذائف الأرضية، إضافة لـ 20 هجوماً بالقنابل العنقودية، و254 هجوماً بالبراميل المتفجرة.
وتركزت تلك الهجمات على منازل المدنيين والمرافق الحيوية في الشمال السوري، ولاسيما قبل وقف إطلاق النار، حيث وثقت الفرق نحو 2200 هجوماً على منازل المدنيين، و17 هجوماً على المشافي والنقاط الطبية، و56 هجوماً على أسواق شعبية ومحال تجارية، و5 هجمات على أفران، و43 هجوماً على مدارس ومنشآت تعليمية، وعشرات الهجمات الأخرى.
التفجيرات والعبوات الناسفة
ارتفعت وتيرة التفجيرات الإرهابية بالعبوات الناسفة والدراجات والسيارات المفخخة التي المدن والبلدات في الشمال السوري خلال عام 2020، في وقت شهدت فيه أغلب المناطق اكتظاظاً كبيراً بعدد السكان لاسيما بعد موجات النزوح المتكررة.
واستجابت الفرق خلال 2020 لـ 217 حادثة انفجار مختلفة، تم فيها انتشال جثامين 157 شخص، بينهم 18 طفلاً، فيما تم إنقاذ 606 أشخاص بعد تلك الهجمات، وتركز العدد الأكبر من الانفجارات والعبوات الناسفة في ريفي حلب الشمالي والشرقي التي نزحت إليها أعداد كبيرة من المدنيين ما تسبب بارتفاع نسبي لعدد الضحايا.
عمليات فرق الذخائر المتفجرة:
استغلت فرق (UXO) المتخصصة بمسح وإزالة الذخائر غير المنفجرة، الهدوء النسبي للعمليات العسكرية، وعودة المدنيين الى قراهم وبلداتهم، حيث كثّفت فرق المسح وفرق الإزالة عملياتها في الشمال السوري، و قامت خلال عام 2020 بأكثر من 600 عملية إزالة، تم فيها التخلص من 622 ذخيرة متنوعة، كما قامت فرق المسح بإجراء 167 عملية، تم فيها تحديد 237 منطقة ملوثة، فيما قدمت الفرق 244 جلسة توعوية حضرها أكثر من 30 ألف شخص، وركزت على خطر الذخائر المتفجرة وضرورة الابتعاد عن الأجسام الغريبة، وأهمية إبلاغ فرق الدفاع المدني السوري المختصة عنها فوراً.
كورونا وحرب من نوع أخر
لم يكد يهدأ صوت القصف والهجمات العسكرية للنظام وروسيا على الشمال السوري، حتى بدأ فيروس كورونا يطرق الأبواب، بما يحمله من فتك بالأرواح وتدمير للاقتصاد، ومع انتشار فيروس كورونا في العالم ودول الجوار، بدأت فرق الدفاع المدني السوري بالعمل ضمن الإمكانات المتاحة لمواجهة الجائحة وحماية المدنيين في ظل ضعف الخدمات والبنية التحتية، وأطلقت في 18 آذار حملة لتطهير وتعقيم احترازية للمرافق العامة والمخيمات مع حملات توعية سواء بالجولات المباشرة أو عبر الملصقات الجدارية، وتم تنفيذ 80 ألف عملية تطهير وتعقيم للمنشآت الحيوية والمخيمات في الشمال السوري، حيث تعمل فرق متخصصة على تطهير المرافق العامة والمخيمات، وتكرر تطهيرها لاسيما التي تشهد كثافة عالية للمدنيين كالمشافي والمدارس والمساجد.
وبالتوازي مع عمليات التطهير بدأت فرق الدفاع المدني السوري بتنفيذ حملات توعوية وتقديم إرشادات وقائية للمدنيين، بهدف الوقاية من فيروس كورونا ومنع انتشاره، ونفذت الفرق نحو 30 ألف جلسة توعوية، ركزت بشكل أساسي على تقديم الإرشادات الوقائية من فيروس كورونا، إلى جانب الإرشادات المهمة الأخرى للأهالي، واستهدفت بالدرجة الأولى مخيمات النازحين، والمنشآت التعليمية، والمرافق الحيوية الأخرى التي تشهد حركة للمدنيين، كما نفذت الفرق مئات العمليات الأخرى من وضع ملصقات توعوية في الأسواق والأماكن العامة حول الفيروس ومخاطره وطرق الوقاية منه.
ولم تقتصر استجابة الدفاع المدني السوري لفيروس كورونا على موضوعي التوعية والوقاية، حيث بدأ بخطوات جادة لتوفير جزء من المستهلكات الطبية لاسيما في ظل جائحة كورونا، بإنشاء معمل لإنتاج الكمامات ويقدر انتاجه الشهري بنحو 700 ألف كمامة، ويستهدف التوزيع المراكز الصحية والمشافي التابعة لمديريات الصحة في الشمال السوري ويقدر عدد المستفيدين من الكوادر الطبية 7 آلاف شهرياً، إضافة لمتطوعي الخوذ البيضاء والذين يقدر عدد المستفيدين منهم 2600 متطوع شهرياً.
كما افتتح الدفاع المدني السوري معملاً لإنتاج الأوكسجين بتاريخ 5 أيار 2020، باعتباره من أهم المستهلكات الطبية للمصابين بفيروس كورونا، ومادة مهمة في عمل المشافي والنقاط الطبية.
وبلغت الكمية المنتجة في شهر تشرين الثاني، 9 آلاف لتر، معبأة باسطوانات مختلفة الأحجام بين كبيرة سعة 50 لتر وصغيرة سعة 10 لتر.
وتوزع اسطوانات الأوكسجين على مشافي الحجر الصحي ومراكز الدفاع المدني السوري بما فيها منظومة الإسعاف وللحالات الخاصة من المدنيين الذين يتم حجرهم في المنازل.
وبما يخص نقل المصابين ودفن الوفيات، تقوم فرق مختصة من الدفاع المدني السوري بنقل الوفيات من مراكز الحجر الصحي والمشافي الخاصة بفيروس كورونا ليتم دفنها وفق إجراءات ومعايير السلامة لمنع انتقال العدوى، ودفنت الفرق منذ تسجيل أول حالة وفاة في 18 آب حتى 23 كانون الأول 355 حالة، ولا يشترط أن يكون سبب الوفاة للحالات التي تم دفنها هو فيروس كورونا، لكن باعتبار أن نقلها تم من المشافي والمراكز الخاصة بالفيروس تتخذ جميع إجراءات الوقاية.
وتعمل فرق مختصة من الدفاع المدني السوري والتي يبلغ عددها 32 فريقاً بالإضافة لفريق مختص موجود في جميع مراكز الدفاع المدني السوري الموزعة بالشمال السوري، على نقل المصابين بالفيروس أو من يشتبه بإصابتهم من المشافي ومراكز الحجر الصحي، وبلغ عدد الحالات التي تم نقلها منذ تسجيل أول إصابة في 9 تموز أكثر من 1250 إصابة.
ويبلغ إجمالي عدد الإصابات بالفيروس نحو 20 ألف حالة، شفي منها أكثر من 11آلاف، ووصل عدد الوفيات إلى ما يقارب 300 حالة، وذلك وفق إحصاءات شبكة الإنذار المبكر.
العمليات الخدمية والتعافي المبكر
رغم استمرار القصف وخرق وقف إطلاق النار على مدار العام، بالإضافة إلى انتشار فيروس كورونا واستنفار الفرق للاستجابة له، تابعت الخوذ البيضاء عملياتها الخدمية للمدنيين، بهدف دعم استقرارهم، والوقوف الى جانبهم، حيث قدمت الفرق أكثر من 135 ألف عملية خدمية خلال عام 2020، بالإضافة إلى عشرات الحملات الخدمية المكثفة التي أطلقتها الفرق في بعض المدن السورية، والتي ركزت على تقديم جملة من الأعمال الخدمية في منطقة محددة ومنا (سلام لإدلب، اعزاز أجمل، فراتنا أجمل، إحياء مدينة الأتارب، أمل العائدين أريحا) وتنوعت العمليات الخدمية المقدمة من قبل الفرق، وكانت بشكل كبير استجابة لحاجة المدنيين، وركزت على إعادة تأهيل المرافق العامة وترحيل الركام وغيرها من العمليات الأخرى، لاسيما مع بداية فصل الشتاء حيث كثفت الفرق فرس الأرضيات وتأهيل الطرقات للمخيمات، وتوزعت على نحو 4 آلاف خدمة إزالة أنقاض، وألف خدمة تأهيل منشآت، و ألف خدمة تجهيز مخيم، وغسيل وتنظيف مدارس وشوارع نحو 3700 عملية، وفرش وتسهيل أرض أكثر من 7300 عملية، وغيرها من العمليات الأخرى.
المراكز النسائية خدمات متزايدة
ساهمت عدة عوامل بزيادة ملحوظة لخدمات الرعاية الصحية التي تقدمها متطوعات الخوذ البيضاء في الشمال السوري هذا العام مقارنة بالسنوات السابقة، منها التدمير الممنهج للمراكز الطبية والمشافي من قبل النظام وروسيا، واضطرار عدد من المشافي للتخصص باستقبال المصابين بفيروس كورونا، فكانت المراكز النسائية البديل الذي استطاع تغطية جزء مهم من خدمات الرعاية الصحية للمدنيين.
وتشكل النساء والأطفال النسبة الكبرى من المراجعين والمستفيدين من الخدمات الطبية التي تقدمها متطوعات الدفاع المدني داخل مراكزهن، حيث قدمت الفرق خلال عام 2020 أكثر من 116 ألف عملية وخدمة طبية، استفاد منها بشكل مباشر أكثر من 122 ألف شخص، كان للنساء الحوامل نسبة جيدة منها، حيث تم استفادت أكثر من 87 ألف امرأة من تلك الخدمات،وكان للنساء الحوامل قسم كبير من تلك الخدمات حيث تم تقديم أكثر من 29 ألف خدمة رعاية صحية لنساء حوامل ومتابعة وضعهن الطبي والصحي، فيما بلغ عدد الأطفال المستفيدين أكثر من 26 ألف طفل، بالإضافة إلى آلاف العمليات الأخرى والفحوصات لهنَّ ولإطفالهنَّ حديثي الولادة.
مع انتهاء عام 2020 وقرب حلول عام جديد تتطلع منظمة الخوذ البيضاء، لزيادة مستوى الاستجابة التي تقدمها للمدنيين، وأن يكون العام المقبل، عام للبدء بإعادة الحياة لكثير من المناطق التي دمرتها الحرب التي يشنها النظام وحليفه الروسي، بالرغم من أن عشر سنوات من الموت والقصف والدمار والنزوح لا تمحى آثارها بأيام، وتحتاج لسنوات للتعافي، وبجهود جادة محلية وإقليمية ودولية، ولكن يبقى الأهم هو الضغط على النظام ومنعه من شن أي هجمات جديدة لأنها ستكون كارثية على منطقة باتت الملجأ الأخير لأكثر من 4 ملايين مدني هاربين من الموت.