عام مضى على بدء الحملة العسكرية الأخيرة للنظام وحليفه الروسي والتي استهدفت الشمال السوري... ومأساة المدنيين مستمرة
ماخلفته الحملة العسكرية للنظام السوري وحليفه الروسي على مدى نحو عام ستبقى أثارها لسنوات
مرَّ عام على بدء الحملة العسكرية للنظام السوري وحليفه الروسي على الشمال السوري، والتي كانت أولى هجماتها في 26 نيسان عام 2019 واستمرت حتى 5 آذار عام 2020، ولم تكن تلك الحملة إلا استكمالاً لسيناريو تكرر كثيراً على مدى السنوات الماضية في مختلف المناطق بإتباع سياسة الأرض المحروقة وتدمير المدن والبلدات وتهجير المدنيين.
وبالرغم من أن الحملة العسكرية التي تعرض لها الشمال السوري لم تكن الأولى، حيث شهدت المنطقة على مدى السنوات الماضية هجمات وقصف مستمر، إلا أنها كانت مختلفة بسبب حجم المأساة التي خلفتها وخاصة فيما يتعلق بتهجير المدنيين ما دفع الأمم المتحدة لوصف موجة النزوح بأنها الأكبر في تاريخ سوريا.
هجمات متلاحقة تقلص مساحة شمال غربي سوريا
لم يلتزم النظام السوري باتفاق خفض التصعيد الموقع في شهر آيار 2017 ، حيث يعتبر شمال غربي سوريا المنطقة الربعة والأخيرة التي تخضع للاتفاق، ولم يطبق أيضاً اتفاق سوتشي، الموقع في أيلول عام 2018، وبدأ أولى هجماته العسكرية في 26 نيسان عام 2019 بدعم من حليفه الروسي على ريف حماة الغربي وسيطر على بلدة كفرنبودة وعدة مناطق بسهل الغاب، وأعلن عن وقف إطلاق نار في 1 آب 2019 لم يكن إلا إعلاناً شكلياً لينتقل الهجوم بعد ذلك نحو مدينة خان شيخون بريف إدلب الجنوبي وسيطر عليها في شهر آب، وعلى كامل ريف حماة الشمالي بما فيه من مدن اللطامنة وكفرزيتا ومورك.
واصل النظام هجماته باتجاه ريف إدلب الجنوبي من محور مدينة النعمان واستمرت المعارك حتى انتهت بسيطرته على المدينة بعد حملة قصف عنيفة بدعم من حليفه الروسي في نهاية شهر كانون الثاني 2020، رغم أن اتفاقاً لوقف إطلاق النار تم في 12 من الشهر نفسه ولم يكن حظه في التطبيق أفضل من سابقيه.
وبعد سيطرة النظام على معرة النعمان كثف هجماته شمالا باتجاه مدينة سراقب عقدة التقاء طريقي دمشق حلب، ودمشق اللاذقية، وسيطر عليها للمرة الأولى في نهاية في 26 شباط 2020، واستمر في التقدم شمالاً على الطريق الدولي دمشق حلب حتى سيطر على كامل ريف حلب الجنوبي وأجزاء كبيرة من ريف حلب الغربي والشمالي الغربي والذي يضم عدة مدن وبلدات بينها عندان وحيان وحريتان وكفرة حمرة وعنجارة وبات على مشارف أكبر مدن ريف حلب الغربي، الأتارب ودارة عزة، وبالتوازي مع الهجوم على ريف حلب جدد النظام هجومه على ريف إدلب الجنوبي وسيطر على عدة مدن وبلدات بينها مدينة كفرنبل.
وتم التوصل إلى إتفاق لوقف إطلاق النار في 5 آذار بعد أن سيطر النظام بدعم من حليفه الروسي على أجزاء واسعة من شمال غربي سوريا بما فيها من مدن وبلدات كانت تستوعب أعداداً كبيرة من المدنيين، و قتل وجرح آلاف المدنيين وهجر مئات آلاف المدنيين ودمر عدة مدن.
7 آلاف مدني بين قتيل وجريح
انتشلت فرقنا الدفاع المدني جثامين 2029 مدنياً بينهم 483 طفل، 338 امرأة، نتيجة الهجمات المباشرة وقصف النظام السوري وحليفه الروسي الذي استهدف المدنيين خلال الحملة العسكرية على الشمال السوري، فيما فقد الدفاع المدني 17 متطوعاً جراء الغارات المزدوجة والاستهداف المباشر للفرق اثناء عمليات البحث والإنقاذ، فيما أنقذت فرقنا 5281 شخصاً، بينهم 1201 طفل، 867 امرآة، وأصيب 77 متطوعا في صفوف الدفاع المدني السوري جراء استهدافهم أثناء قيامهم بواجبهم الإنساني.
المنشآت الحيوية هدف مباشر للقصف
يبلغ عدد المواقع المستهدفة من تاريخ 26 نيسان عام 2019 حتى 5 آذار 2020 من قبل النظام وروسيا في الشمال السوري، 14386 موقعاً، يعتقد أن روسيا نفذت منها 2405 هجمات،فيما يعتقد أن النظام السوري نفذ منها 11622 هجمة، واستهدف عدد كبير منها المنشات الحيوية والبنى التحتية بهدف تهجير المدنيين وتدمير كافة أشكال الحياة التي تدعم استقرارهم في الشمال السوري، من بينها 60 مشفى ومركز طبي، و83 سوقاً شعبياً، و22 فرناً، 18 مخيم و 113 مدرسة و48 مسجداً، و 64 مركز دفاع مدني.
الأرض المحروقة وأكثر من 120 ألف مقذوف
اتبعت قوات النظام وحليفها الروسي سياسة الأرض المحروقة خلال الحملة العسكرية على الشمال السوري ووثقت فرقنا سقوط أكثر من 118,976 ذخيرة ومقذوف مختلفة تم إطلاقها من قبل طائرات روسيا والنظام ومدفعيتهم على منازل المدنيين ومدنهم، من بينها 15,985 غارة جوية، 546 هجوم بالقنابل العنقودية المحرمة دولياً و350 هجوم بالأسلحة الحارقة، بالإضافة لأكثر من 5,369 برميل متفجر تم إلقاؤه من مروحيات النظام، ونحو631 صاروخ أرض ـ أرض، و59153 قذيفة مدفعية، و35998 صاروخ راجمة.
حملات التهجير وإفراغ المدن
وصفت الأمم المتحدة موجات النزوح التي شهدها الشمال السوري خلال الحملة العسكرية للنظام بأنها الأكبر بتاريخ سوريا، حيث أجبر أكثر من 1,182,772 مدنياً على ترك منازلهم والهرب من الموت خلال عام 2019، فيما بلغ عدد النازحين منذ تشرين الثاني حتى 2019 حتى نهاية شباط 2020 أكثر من 1,037,890 شخص، منهم من نزح أكثر من خمس مرات على فترات متفرقة بالتزامن مع الحملات العسكرية التي شنها النظام وروسيا على مناطقهم في أرياف إدلب وحماة وحلب، بالإضافة إلى المدن القريبة من خطوط التماس كأريحا وسرمين ودارة عزة والأتارب.
وتوجه نصف مليون نازح إلى مخيمات الشريط الحدودي مع تركيا والتي كانت تضم نحو مليون نازح ليرتفع العدد فيها إلى مليون ونصف مليون نازح، في حين توجه القسم الأخر إلى ريفي حلب الشمالي والشرقي (عفرين واعزاز والباب وجرابلس.
لا تزال عودة النازحين في الشمال السوري، إلى مناطقهم في ريفي إدلب وحلب التي هجرهم منها النظام وحليفه الروسي خلال الحملة العسكرية الأخيرة محدودة ويقدر عدد العائدين بنحو 216 ألف مدني حتى أمس الاثنين 27 نيسان، أي نحو 20 % من إجمالي عدد النازحين، منذ شهر تشرين الثاني، رغم مرور أكثر من خمسين يوماً على وقف إطلاق النار، الذي وثقت فرقنا 68 خرقاً له من قبل النظام السوري حتى يوم الأحد 26 نيسان.
إن مأساة السوريين لم تنتهِ بعد، وماخلفته الحملة العسكرية للنظام السوري وحليفه الروسي على مدى نحو عام ستبقى أثارها لسنوات، وحتى وفي حال استطاع جزء من النازحين العودة لمدنهم وقراهم، فإن أخرين لن يتمكنوا من العودة إلى منازلهم المدمرة أو التي سيطر عليها النظام، لتكون المخيمات المأوى الوحيد أمامهم في ظل وباء كورونا الذي يهددهم.