بخطى راسخة… تعزيز لدور المرأة في الدفاع المدني السوري

زيادة تمثيل المرأة في "الهيئة العامة للدفاع المدني السوري " من 10% إلى مايقارب 30%، ليكون هناك دور بفعالية أكبر للمتطوعات، وبما يتماشى مع إيمان المؤسسة بقدرات النساء في المستويات القيادية وصناعة القرار

في الوقت الذي كانت فيه المرأة الضحية الأكبر للحرب التي يشنها نظام الأسد وروسيا على السوريين، ودفعت الثمن الأكبر، وواجهت صعوبات كبيرة من نزوح وقصف وفقدان المعيل، اُعتقلت وأُخفيت بالسجون، ودُمرت أحلامها، لكن بالرغم من هذه الصعاب كانت هي السند القوي لمجتمعاتها وعائلتها

تخوض النساء في سوريا معركة حقيقية سببتها الحرب المستمرة منذ 11 عاماً للحفاظ على المجتمعات ولإنقاذ الحياة، في ظل ظروف اجتماعية واقتصادية قد لا تقل صعوبة عن ضغوط الحرب، في كل لحظة كانت المرأة السورية بالخطوط الأمامية، في السلم وفي الحرب، وكانت رائدة في التعليم والقيادة وبناء الأجيال.

في الظروف الطبيعية التي تعيشها أي دولة لا يمكن لها النهوض دون الاستفادة من الكفاءات المتوفرة في المجتمع، وفي الظروف الاستثنائية كالحروب والكوارث، يصبح أي فرد له دور مهم وأساسي ومكمل لأدوار أخرى تقوم بها باقي فئات المجتمع، لكن عمل المرأة، ثقافة طارئة في بعض المجتمعات في سوريا، وفي السابق لم يكن مألوفاً إلا لحاجة تفرضها الأوضاع الاقتصادية، أو كان مقتصراً على مجالات محددة لاسيما أن هناك من يعتبر أن دور المرأة محصوراً فقط بالمنزل وتربية الأولاد، وبالتأكيد هذه مهمات عظيمة لكنها لا تمنع المرأة من أخذ دورها الحقيقي بعيد عن التأطير و النمطية، ولا يتناقض أبداً مع عادات المجتمع ومبادئه وأخلاقه، دور في بناء سوريا تكون موجودة فيه وبطريقة فعالة، والدفاع المدني السوري يؤمن بهذا الدور الحقيقي الذي يمكّن المرأة من المشاركة في العمل والعطاء والمشاركة بكل مجالات الحياة.

وتشكل المراكز النسائية في الدفاع المدني السوري ركيزة أساسية من عمل المنظمة الإنساني، والتي تسعى بدورها إلى تقديم خدماتها المتنوعة لكافة فئات المجتمع السوري وبمختلف انتماءاتهم، وهذا العمل هو جزء أساسي ومهم ويكمّل عمل المؤسسة في باقي الجوانب الإنقاذ والإطفاء وإزالة الذخائر والإسعاف وتقديم خدمات التعافي المبكر والتوعية.

ولم يقتصر عمل المتطوعات في الخوذ البيضاء على الجوانب الخدمية، وكان لهن دور مباشر في الجوانب الإدارية، وجرى خلال الاجتماع الأخير للهيئة العامة للمؤسسة الذي عقد في شهر كانون الثاني الماضي تعزيز دور المرأة وزيادة تمثيلها في "الهيئة العامة " من 10% إلى مايقارب 30%.

وتأتي زيادة التمثيل هذه، ليكون هناك دور بفعالية أكبر للمتطوعات، وبما يتماشى مع إيمان المؤسسة بقدرات النساء في المستويات القيادية وصناعة القرار، وسيكون لهذا التمثيل أثر واضح خلال المرحلة المقبلة في مشاركة أكبر للمتطوعات باتخاذ القرار في المؤسسة .

المراكز النسائية في الدفاع المدني السوري

تأسست المراكز النسائية في الدفاع المدني السوري عام 2017 حيث كان الانطلاق بثمانية مراكز، ويوجد حالياً 33 مركزاً نسائياً تتوزع على محافظات حلب وإدلب وريف اللاذقية وريف حماة، تعمل ضمنها أكثر من 260 متطوعة،(يبلغ العدد الكلي للمتطوعين بالدفاع المدني السوري 3 آلاف متطوع من بينهم أكثرمن 260 متطوعة) ويساهم هذا التوزيع للمراكز في الوصول الفعال للمجتمعات المحلية التي يتم تخديمها ويحقق استجابة مباشرة، وهذا الأمر ساهم في بناء ثقة كبيرة بين المتطوعات والمجتمعات ومكّنهنّ من الوصول الجيد والقدرة الأكبر على تقديم الخدمات والتأثير.

الأعمال التي تقوم بها المتطوعات

  • خدمات الرعاية الصحية

ساهمت عدة عوامل بزيادة ملحوظة لخدمات الرعاية الصحية التي تقدمها المتطوعات في شمال غربي سوريا هذا العام مقارنة بالسنوات السابقة، منها التدمير الممنهج للمراكز الطبية والمشافي من قبل النظام وروسيا، واضطرار عدد من المشافي للتخصص باستقبال المصابين بفيروس كورونا، فكانت المراكز النسائية البديل الذي استطاع تغطية جزء مهم من خدمات الرعاية الصحية للمدنيين.

ولا تقتصر خدمات الرعاية التي تقدمها المتطوعات على المراكز النسائية، فتقوم المتطوعات بتقديم الرعاية الصحية عبر جولات دورية في المخيمات كما يتابعن مئات الحالات شهرياً للمرضى في منازلهم وخاصة كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة.

وتشكل النساء والأطفال النسبة الكبرى من المراجعين والمستفيدين من الخدمات الصحية التي تقدمها متطوعات الدفاع المدني السوري داخل مراكزهن وخارجها، حيث قدمت الفرق خلال عام 2021 أكثر من 150 ألف عملية وخدمة طبية، استفاد منها بشكل مباشر أكثر من 130 ألف شخص، بينهم 93 ألف امرأة، و29 ألف طفل، وأكثر من 10 آلاف رجل.

أنواع خدمات الرعاية الصحية:

1ـ الإسعافات الاولية: تقدم متطوعات الدفاع المدني السوري الإسعافات الأولية:
ضماد جروح، حروق ،إصابات، ومتابعة الحالات الطبية للجرحى ولمن أجريت له عمليات جراحية، وهذه الخدمة مهمة جداً بسبب طبيعة ظروف الحرب في شمال غربي سوريا ووجود أعدادٍ كبيرة من المصابين جراء استمرار الهجمات العسكرية للنظام وروسيا على المناطق المدنية، وعدم وجود مشافي في كل المناطق لاسيما ريف إدلب الجنوبي حيث دمرت الطائرات الروسية كل المشافي الموجودة في المنطقة، لذلك فوجود المتطوعات والمراكز النسائية فيها هو بمثابة منح أرواح الأطفال والنساء أملاً جديداً بالحياة، وتحدث شهرياً عشرات القصص لمصابين تمكنت فرقنا من إنقاذهم، حتى بات وجود مراكزنا في المنطقة هو أحد أهم أسباب استقرار المدنيين ويعطيهم الأمان والشعور بأن هناك من يقف معهم ويساعدهم.

وقدمت الفرق خلال العام الماضي أكثر من 55 ألف عملية قياس علامات حيوية، و23 ألف عملية حقن إبرة لمرضى، و11 ألف عملية معالجة جروح، ونحو 4 آلاف عملية معالجة حروق، وأكثر من 3500 عملية تركيب قثطرة، وأكثر من 3 آلاف إسعاف أولي.

2ـ فحوصات نسائية ورعاية حوامل:

تعتبر متابعة الصحة الجسدية للحامل مهمة جداً لاسيما في ظل ظروف نقص الرعاية الطبية وعدم قدرة المشافي على استقبال جميع الحالات، وقدمت فرقنا خلال العام الماضي أكثر من 23 ألف خدمة طبية للنساء في هذا الجانب، ومن المتوقع أن تزداد الحاجة أكثر هذا العام لهذا النوع من الخدمات الطبية.

3ـ قياس مواك (سوء التغذية): يعيش المدنيون في شمال غربي سوريا ظروفاً اقتصادية صعبة بسبب استمرار الحرب ووجود أكثر من مليوني مدني مهجرين فقدوا مصادر رزقهم والعدد الأكبر من سكان المخيمات التي يعيش فيها نحو 1.5 مليون مهجر يعتمدون بشكل أساسي على المساعدات الغذائية التي تقدمها المنظمات الإنسانية، ومع تراجع الاستجابة الإنسانية بدأت تظهر حالات سوء تغذية لدى الأطفال والنساء بشكل أساسي وتعمل فرقنا ضمن الإمكانات على كشف هذه الحالات، حيث قامت خلال العام الماضي بأكثر من 6 آلاف عملية قياس مواك وأغلبها كانت في مخيمات الشريط الحدودي.

4ـ جلسات رذاذ:

وتزداد الحاجة لهذه الخدمة بشكل كبير خلال فصل الشتاء مع استخدام المدنيين لمواد ضارة في التدفئة كالألبسة البالية و النايلون والبلاستيك وخاصة في المخيمات حيث تتشكل سحابة فوقها نتيحة اضطرار المدنيين لاستخدام مواد ضارة في ظل تردي أوضاعهم المعيشية وعدم قدرتهم على تأمين المحروقات، ويعاني الأطفال بشكل كبير من إلتهاب القصيبات الهوائية، وقدمت فرقنا خلال العام الماضي نحو 10 آلاف جلسة رذاذ أغلبها كانت للأطفال وكبار السن وتركزت خلال طرفي العام في فصل الشتاء.

5ـ متابعة مرضى القصور الكلوي

يواجه مرضى القصور الكلوي صعوبة وتحديات في الوصول إلى المشافي المتخصصة بسبب الحاجة الدورية للقيام بعمليات غسيل الكلى، وتساعد النقاط النسائية المنتشرة في عموم مناطق شمال غربي سوريا بنقل العديد من الحالات بسيارات الإسعاف إلى مراكز غسيل الكلى وإعادتهم إلى منازلهم بشكل دوري.

وقامت الفرق خلال العام الماضي بأكثر من 4500 عملية نقل لمرضى القصور الكلوي، ومن الخطط أن توسع هذه الخدمات لتكون فعالة أكثر وتخفف الأعباء عن المرضى الذين يعانون القصور الكلوي بنقلهم الدوري إلى المراكز الطبية المختصة.

6ـ الإحالة إلى المشافي:

الكثير من الحالات التي تراجع المراكز النسائية تحتاج للمشافي لمتابعة حالتها أو بسبب خطورة الحالات وحاجتها لرعاية مركّزة، تقوم المتطوعات بنقل المرضى عبر التنسيق مع فرق الإسعاف، إلى المشافي، وخلال العام الماضي قامت المتطوعات بأكثر من 4 آلاف عملية نقل لمرضى إلى المشافي.

7ـ الاستجابة لكوفيد:

في ظل إشغال المشافي وارتفاع مؤشر الخطر مع الانتشار السريع لفيروس كورونا بسلالته الجديدة "دلتا" نهاية العام الماضي أطلقت متطوعات الدفاع المدني السوري مبادرة للرعاية المنزلية للمصابين بفيروس كورونا وذلك لتقديم الرعاية الصحية لهم داخل منازلهم في ظل إشغال كافة المشافي وعدم القدرة على استيعاب المزيد من الإصابات بعد الارتفاع الحاد بأعداد المصابين بفيروس كورونا في شمال غربي سوريا، وتقدم المتطوعات الرعاية الطبية للمصابين بشكل يومي وتشمل الإسعافات الأولية، وجلسات الرذاذ، وقياس أكسجة، وفتح أوردة.

  • التوعية:

يعمل الدفاع المدني السوري جاهداً بكل كوادره لتوعية المدنيين من مخاطر الحرائق ومخلفات الحرب والتوعية لأهمية التحذير المبكر وإجراءات الأمن والسلامة، والتوعية من الأمراض والذخائر غير المنفجرة، إضافة للعمل على رفع الوعي المجتمعي وتشجيع الاندماج المجتمعي عن طريق الأنشطة الكشفية والجلسات التوعوية مراعياً بذلك المبادئ العامة لحقوق الإنسان في سبيل الوصول لمجتمع متعافي ينبذ العنف وتتشارك فيه فئات المجتمع كلها الواجبات والحقوق تجاه الإنسان والوطن، وللمراكز النسائية والمتطوعات دور ريادي في هذا الجانب بسبب القدرة الكبيرة والعلاقة مع المجتمعات المحلية، وتزداد الحاجة للتوعية بشكل كبير بسبب ظروف الحرب وتراجع التعليم وانتشار الجهل وحاجة المجتمعات وخاصة الفئات العمرية الأولى لدور توجيهي توعوي ليس فقط في الجوانب التقليدية بل في جوانب نفسية واجتماعية أيضاً.

للتوعية دور كبير في الحفاظ على أرواح المدنيين وتساهم بشكل كبير في تقليل فرص إصابتهم بالأمراض أو تعرضهم لأخطار مميتة، وخلال عام 2021 قدمت فرق الدفاع المدني السوري أكثر من 22 ألف جولة توعوية في مختلف المواضيع، كان أكثر من 4 آلاف منها للتوعية بفيروس كورونا، 1565 منها حول الإسعافات الأولية، و1400 حول الذخائر غير المنفجرة والوقاية منها، بالإضافة إلى آلاف الجولات التي غطت مواضيع أخرى مثل طرق الوقاية من اللشمانيا، خدمة الراصد، أهمية الكشف المبكر عن سرطان الثدي، الوقاية من الحرائق المنزلية، نصائح لمرضى السكر والعديد من المواضيع الأخرى.

ويبلغ عدد المستفيدين من جلسات التوعية أكثر من 94 ألف 50% منهم نساء و40 % منهم أطفال.

وأطلقت المتطوعات العديد من حملات التوعية، من بينها حملة "لا تأجليها" في شمال غربي سوريا، بالتزامن مع (شهر التوعية بسرطان الثدي) أو ما يعرف بالشهر الوردي، والذي يبدأ في الأول من تشرين الأول من كل عام، لتذكير النساء بضرورة إجراء الفحوصات الطبية الدورية للكشف المبكر عن المرض، أحد أكثر السرطانات شيوعاً لديهن.

وتهدف الحملة بشكل أساسي لتوعية المستفيدات من مراجعة النقاط النسائية و تسليط الضوء على سرطان الثدي وانتشاره بين اليافعات والتركيز على أهمية الكشف المبكر في الشفاء مع التأكيد على أهمية الفحص الذاتي للسيدات، وحملة "مسعف في كل بيت" وهي خطوة مهمة لتعويض النقص الحاصل في الكوادر الطبية التي استنزفتها الحرب وفيروس كورونا، ورفع سوية النساء للاستجابة للإسعافات المنقذة للحياة، ليكون في كل بيت مسعف قادر على التعامل مع الحالة الطارئة الإسعافية بمهارة صحيحة تضمن وصول الشخص المصاب لأيدي مختصة أو لحين الوصول للمشفى بأفضل طريقة.

وتأتي أهمية هذه الحملة من ضرورة بناء قدرات نساء المجتمع المحلي ورفع سوية الوعي لديهن لإجراء إسعافات أولية لأسرهن في حال التعرض لأي حادث مفاجئ إذ يعتبر التدبير الإسعافي الأولي منقذاً للحياة في حال تم في الوقت المناسب وبالطريقة الصحيحة.

وهناك دور آخر نقوم به عبر الدعم النفسي لكثير من الحالات التي نجتمع بها يومياً، خاصة أن الظروف في شمال غربي سوريا صعبة والكثير من الأطفال والسيدات تعرضوا لصدمات نفسية أدت لأثر سلبي كبير على حياتهم ووصل بعضهم لمرحلة الاكتئاب فدورنا ليست محصوراً بالتوعية فقط، ولا بد من مشاركة الأهالي همومهم ومساعدتهم لتخطي الظروف النفسية الصعبة التي يمرون بها.

ولا يقتصر عمل المتطوعات على هذه الجوانب بل يشاركن في عمليات الإنقاذ ومساعدة المدنيين بأي مجال ممكن، ويسعى الدفاع المدني السوري لتطوير مهارات المتطوعات في كافة المجالات وتوسيع نطاق عملهنّ ليشمل مجالات أخرى مهمة تحتاجها المجتمعات المحلية.

الجهود التي تقوم بها المتطوعات مهمة جداً وتساعد على استقرار المدنيين في شمال غربي سوريا، لكن أيضاً ظروف الحياة ونقص الخدمات يزيد من احتياجات المدنيين، أكثر من 1.5 مليون مدني مهجر يعيشون في المخيمات حتى من يعيش في المنازل وضعه ليس بأفضل، عدد كبير من السكان يعيشون بمناطق خطرة قريبة من خطوط التماس وموبوءة بالذخائر غير المنفجرة، هناك العديد من الصعوبات التي يبقى القصف الممنهج لقوات النظام وروسيا على رأسها إضافة للحاجة الكبيرة للمجتمعات، لاسيما بظل ظروف التهجير واستمرار القصف.

الدفاع المدني السوري يؤمن بقدرات المرأة ويسعى لإزالة العقبات للقيام بدورها في المجتمع في ظل ظروف الحرب والسلم، و بكل كفاءة، ويؤمن بقدرتها على القيادة والعمل والنجاح، وهذا ما يسعى إلى ترسيخه وتعزيزه على الأرض.