على أبواب السنة الثامنة…الإرهاب الروسي مستمر بقتل السوريين

أكثر من 12 ألف مدني بينهم 4 آلاف طفل استجاب لهم الدفاع المدني السوري، كانوا ضحايا التدخل الروسي في سوريا خلال سبع سنوات، في ظل صمت دولي مطبق على هذه الجرائم

لم يكن التدخل العسكري الروسي المباشر لدعم نظام الأسد في حربه على السوريين في 30 أيلول عام 2015 مجرد دعم عسكري لحليف، بل كان عدواناً على سوريا وتدميراً لبنيتها التحتية وإجهاضاً لمشروع التغيير فيها، ولم يكن هذا التدخل فجائياً بل سبقته سنوات من الدعم السياسي والعسكري والاقتصادي لنظام الأسد، وكان من الواضح أن هدف روسيا الأهم هو عدم السماح بإنتاج أي بديل عن نظام الأسد، وكانت الدوافع الروسية الكامنة وراء تدخلها العسكري في سوريا ودعمها لنظام الأسد هو الحفاظ على مصالحها قبل أي شيء، وبهذا تلاقت المصالح الروسية مع نظام الأسد في محاولته تثبيت حكمه، ورهنت مصالحها الإستراتيجية ببقائه في الحكم.

وسخّرت روسيا في سبيل ذلك آلتها العسكرية للفتك بالسوريين، مستخدمة سياسة الأرض المحروقة، ومفتخرة بتحويل أجساد السوريين ومنازلهم لساحة حرب لتجريب أسلحتها والترويج لبيعها، ما خلف نتائج كارثية بالجانب الإنساني بعدد الضحايا والمجازر وعمليات التهجير، وبالجانب المادي بتدمير البنية التحتية ومسح مدن وبلدات بأكملها عن الوجود.

وبدت تتجلى بوضوح أيضاً أهداف روسيا السياسية بتحويل القضية السورية إلى ورقة ابتزاز تحصّل فيها مكاسب في جميع الملفات العالقة في المنطقة والعالم، عبر عرقلة أي حل سياسي في سوريا للحفاظ على مكتسباتها التي استحوذت عليها كثمن لدعمها نظام الأسد، ومثل هذا التدخل تحولاً جوهرياً في السياسة الروسية بعد الحرب الباردة باستخدام القوة العسكرية بعيداً عن الحدود، فضلاً عن تحقيقها مكاسب اقتصادية وجيوسياسية وعسكرية استراتيجية عززت قواعدها العسكرية، في الحلم الروسي بالمياه الدافئة شرقي المتوسط عبر قاعدتي حميميم وطرطوس البحريتين واستخدام تموضعها المختلف عن السابق في سوريا للتأثير في المعادلات الإقليمية والدولية سياسياً وعسكرياً على حساب دماء السوريين.

وعلى الرغم من استمرار روسيا في دعم نظام الأسد ومنع سقوطه عسكرياً، لكنها فشلت في التوصل إلى تسوية سياسية شاملة معترف بها دولياً تكرس دورها في الساحة السورية، وتترجم انتصارها العسكري لانتصار آخر سياسيٍ يحفظ لها مصالحها الاستراتيجية في سوريا، ما يعني عدم القدرة على الذهاب نحو إعادة الإعمار بعد العمل على إعادة تعويم الأسد ونظامه، ولكن ذلك لم يمنعها من الضغط على الملف الإنساني وجعله مدخلاً نحو تعويم النظام، وإعادة الإعمار تحت ستار عمليات التعافي المبكر.

ولم يمنع وقف إطلاق النار في شمال غربي سوريا، و الذي دخل حيز التنفيذ في 6 آذار 2020 وكانت روسيا طرفاً وضامناً فيه من استمرار الهجمات الروسية العسكرية الداعمة لنظام الأسد، رغم أن الهجمات تراجعت مذ بداية العام الحالي (2022) لكنها أصبحت أكثر منهجية باستهداف المرافق الحيوية والمدنيين، بالتوازي مع دعم سياسي للنظام ومحاولات عرقلة استمرار آلية إدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود.

الضحايا والأرواح المنقَذة

أدت الهجمات الروسية البالغ عددها بحسب توثيقات الدفاع المدني السوري أكثر من 5700 هجوم ـ وهذه ليست كل الهجمات إنما فقط ما استجابت له الفرق، يوجد عدد كبير من الهجمات لم تتمكن الفرق من الاستجابة لها كما أنها لاتشمل الهجمات المشتركة بين نظام الأسد وروسيا او الهجمات في مناطق لا يمكن الوصول إليها ـ أدت الهجمات على مدى السنوات السبعة الماضية لمقتل أعداد كبيرة من المدنيين، ووثقت فرقنا خلال الفترة الممتدة من 30 أيلول 2015 حتى 25 أيلول 2022 مقتل 4056 مدنياً من بينهم 1165 طفلاً و 753 امرأة، وتعبّر هذه الأرقام عن المدنيين الذين استجابت لهم فرقنا وقامت بانتشال جثثهم، لأن عدداً كبيراً يتوفى بعد إسعافه، أو بعد أيام من إصابته أو لم تتمكن فرقنا من انتشالهم، وهذه الأعداد لا توثقها فرقنا، وتمكنت فرقنا من إنقاذ 8348 مدنياً أصيبوا جراء الغارات والقصف الروسي، من بينهم و2141 طفلاً و 1707 امرأة.

الاستجابة لـ 262 مجزرة

استجاب الدفاع المدني السوري خلال سبع سنوات من العدوان الروسي، لـ 262 مجزرة ارتكبتها القوات الروسية ( كل هجوم خلف 5 قتلى وأكثر) ، وكان ضحايا هذه المجازر 2775 قتيلاً مدنياً، بينهم و873 طفلاً و552 امرأة.

المرافق الحيوية والأماكن المستهدفة

تركزت الهجمات الروسية على مراكز المدن ومنازل المدنيين والمرافق الحيوية، بهدف تهجير المدنيين وتدمير كافة أشكال الحياة التي تدعم استقرارهم، حيث استهدفت 67٪ من تلك الهجمات منازل المدنيين بواقع (3825 هجوماً)، فيما كانت الحقول الزراعية بالمرتبة الثانية 17٪ من الهجمات (961 هجوماً)، و المشافي والمراكز الطبية بـ (70 هجوماً) ومراكز الدفاع المدني (59) هجوماً، والأسواق الشعبية بـ (53 هجوماً) والمدارس (46) هجوماً، و (24 هجوماً) استهدف مخيمات تأوي نازحين، و(35) هجوماً استهدف مساجد وأماكن عبادة، (18) هجوماً استهدف أفراناً، إضافة لعشرات الهجمات التي استهدفت مبانٍ عامة ومحطات وقود وغيرها من المرافق.

الإطار الجغرافي والزمني للهجمات

توزعت الهجمات الروسية التي يبلغ عددها أكثر من (5700) هجوماً منذ بدء التدخل على أغلب المحافظات السورية وكان لإدلب النصيب الأكبر منها، بواقع (3475 )هجوماً وتشكل 61% من الهجمات، فيما تم استهداف حلب وريفها بـ (1188) هجوماً تلتها حماة بـ ( 524) هجوما، ثم ريف دمشق بـ (255 هجوماً) وتعرضت درعا لـ (205) هجمات، إضافة لأكثر من ( 50) هجوماً على حمص ودمشق واللاذقية.

وتوزعت تلك الهجمات ( 5700 ) هجوماً بحسب الفترات الزمنية،(191) هجوماً في 2015، و(1064) هجوماً في 2016، و(1041) هجوماً في 2017، و(804) هجمات في 2018، و( 1567) هجوماً في 2019 وهو العام الأعنف بالهجمات، و(821) هجوماً في 2020، (160) هجوماً في 2021، و (51) هجوم لغاية 8 أيلول 2022.

الطيران الحربي ينفذ أغلب الهجمات

شنت القوات الروسية منذ بداية عدوانها آلاف الهجمات الجوية متبعة سياسة الأرض المحروقة، واستجاب الدفاع المدني السوري لأكثر من 5700 هجوم، وتنوعت الأسلحة المستخدمة بالهجمات على المدنيين من قبل القوات الروسية، وكان معظمها بالغارات الجوية بنسبة 92٪ من الهجمات وبلغ عددها أكثر من (5245) غارة جوية، فيما شنت روسيا (320) هجوماً بالقنابل العنقودية المحرمة دولياً، و استخدمت كذلك الأسلحة الحارقة في (131) هجوماً على المدنيين، إضافة لهجمات بأسلحة أخرى بينها طائرات مسيرة وصواريخ أرض ـ أرض.

الدعم اللامحدود بالأسلحة:

منذ اللحظة الأولى للحراك السلمي المطالب بالتغيير تدعم روسيا قوات النظام بشكل مباشر بالأسلحة التي يستخدمها في قمع الحراك وتدمير المدن وخاصة الأسلحة التقليدية (مدفعية صواريخ، قنابل طائرات غير موجهة)، وفي شهر آذار من عام 2021 بدأت الهجمات المدفعية والصاروخية تأخذ نمطاً جديداً، من حيث الدقة الكبيرة في إصابة الهدف وشدة التدمير الذي يخلفه انفجار القذيفة، استجابت فرقنا للهجمات التي نفذتها قوات النظام وروسيا باستخدام قذائف الكراسنبول الموجهة بالليزر وأصدرت تقريراً يرصد استخدام هذا النوع من القذائف والآثار التي خلفتها ومنهجية استخدامها لاستهداف المرافق العامة وعلى رأسها المشافي، والعمال الإنسانيين، ومنازل المدنيين، إذ وثقت فرقنا 63 هجوماً باستخدام

هذا السلاح القاتل وتبلغ نسبة هذه الهجمات 4٪ فقط من الهجمات بمختلف أنواع الأسلحة، خلال الفترة التي يغطيها التقرير والممتدة من توثيق أول هجوم في 21 آذار من عام 2021 حتى 31 كانون الأول من العام نفسه في شمال غربي سوريا، إلا أنها أسفرت عن 20٪ من جميع القتلى في صفوف المدنيين.

وثق فرقنا مقتل 70 شخصاً وإصابة 102 آخرين خلال الفترة (من 21 آذار حتى 31 كانون الأول عام 2021)، وشكل الأطفال عدداً كبيراً من الضحايا حيث قُتل 29 طفل وجرح 33 آخرون ومن بين الضحايا أيضاً متطوعان من الخوذ البيضاء، قُتلا خلال هجمتين منفصلتين، وأكد التقرير أثر هذه الهجمات القاتلة على استقرار المدنيين واضطرارهم إلى النزوح مجدداً بشكل قسري إلى مناطق أخرى في شمال غربي سوريا بحثاً عن الأمان.

تدمير للمدن وتهجير ممنهج

مع بدء التدخل الروسي لصالح نظام الأسد في سوريا ازدادت حملات التهجير وإفراغ المدن، وكانت أولى نتائج ذلك التدخل بتدمير الأحياء الشرقية في مدينة حلب في عام 2016 وتهجير سكانها، لينتقل بعدها التهجير إلى ريف دمشق الغربي وأحياء دمشق الشرقية عام 2017، وكان عام 2018 هو عام التهجير بامتياز، حيث شمل الغوطة الشرقية والقلمون بريف دمشق وأحياء دمشق الجنوبية، وريف حمص الشمالي، إضافة للجنوب السوري الذي يضم القنيطرة ودرعا، كما طال التدمير و التهجير مدينة دير الزور وريفها و أرياف حماة وحمص.

ولم تتوقف حملات التهجير التي كانت تترافق بقصف مكثف من قبل الطيران الحربي الروسي، ووصفت الأمم المتحدة موجات النزوح التي شهدها الشمال السوري خلال الحملة العسكرية للنظام العام الماضي، بأنها الأكبر بتاريخ سوريا، حيث أجبر أكثر من 1,182,772 مدنياً على ترك منازلهم والهرب من الموت خلال عام 2019، فيما بلغ عدد النازحين منذ تشرين الثاني 2019 حتى نهاية شباط 2020 أكثر من 1,037,890 شخص، منهم من نزح أكثر من خمس مرات على فترات متفرقة بالتزامن مع الحملات العسكرية التي شنها النظام وروسيا على مناطقهم في أرياف إدلب وحماة وحلب، بالإضافة إلى المدن القريبة من خطوط التماس كأريحا وسرمين ودارة عزة والأتارب.

وتوجه نصف مليون نازح إلى مخيمات الشريط الحدودي مع تركيا والتي كانت تضم نحو مليون نازح ليرتفع العدد فيها إلى مليون ونصف مليون نازح، في حين توجه القسم الآخر إلى ريفي حلب الشمالي والشرقي (عفرين واعزاز والباب وجرابلس).

وما تزال عودة المهجرين قسراً في الشمال السوري، إلى مناطقهم في ريفي إدلب وحلب التي هجرهم منها النظام وحليفه الروسي خلال الحملة العسكرية الأخيرة محدودة رغم وقف إطلاق النار الذي تم التوقيع عليه في 5 آذار ويخرق النظام وروسيا بشكل يومي وقف إطلاق النار ويستهدفون بقصف جوي وأرضي منازل المدنيين.

أجساد السوريين ومدنهم مختبرات لتجريب الأسلحة:

كانت سوريا ساحة لاختبار وتطوير الترسانة العسكرية الروسية، وروسيا لم تخفِ هذا الأمر أبداً بل دأبت على التفاخر بما تعتبره إنجازاً على لسان مسؤوليها، حيث صرّح سيرغي شويغو، وزير الدفاع الروسي، بأن الجيش الروسي جرّب أكثر من 320 نوع سلاح مختلف، خلال عملياته في سوريا.

ذلك التطوير والتجريب كان على أجساد السوريين وأجساد أطفالهم، وعلى منازلهم ومدارسهم ومشافيهم من دون تأنيب ضمير، وبكثير من اللإنسانية، تتفاخر روسيا بزيادة صادرات أسلحتها بعد بدء حربها على السوريين.

المتطوعون هدف للضربات المزدوجة الروسية

لقد جعل عمل الخوذ البيضاء الداعم للمجتمعات التي تتعرض للهجمات أهدافاً بالنسبة للقوات الروسية التي قصفت المراكز عشرات المرات واستهدفت الفرق أثناء قيامهم بواجبهم الإنساني بإنقاذ المدنيين، ظهر بشكل جلي وواضح ماعرف بالضربات المزدوجة، عبر تكرار استهداف نفس المكان بغارة جوية ثانية بعد غارة أولى، بهدف قتل المنقذين والمسعفين الذين يهرعون للمكان.

استهدفت القوات الروسية بشكل مباشر فرق الدفاع المدني السوري أثناء عملهم على إنقاذ المدنيين، وقتلت 36 متطوعاً وجرحت 163 متطوعاً آخر منذ بدء تدخلها المباشر عام 2015، وقتل المتطوع "عبد اللطيف الضحيك" بتاريخ 30-9-2015 في مدينة تلبيسة بريف حمص الشمالي في اليوم الأول من العدوان الروسي، بعد استهداف الأحياء السكنية للمرة الأولى بالطيران الحربي الروسي، كما تعرض أكثر من 59 مركزاً للهجوم، ما تسبب بدمارها بشكل جزئي أو كامل.

التضليل الإعلامي…الحرب الأخطر

كان القتل والاستهداف الممنهج للمتطوعين مرتبط بشكل وثيق مع الحرب الإعلامية التي دأبت روسيا على ممارستها بشكل ممنهج وحتى قبل عدوانها على السوريين، المعلومات المضللة كانت تهدف بشكل مباشر لتشويه صورة المتطوعين ووصفهم بالإرهابين لتسهيل العملية اللاحقة وهي القتل، لتكون المعادلة "قتلنا إرهابيين"، في الوقت الذي يقوم فيه المتطوعون بمهمات إنسانية عظيمة تتمثل بإنقاذ الأرواح ومساعدة المدنيين الذين يتعرضون لهجمات إرهابية وحشية متعمدة من النظام وروسيا، هذا التوصيف يعني الموت فهو تبرير للهجمات واستهداف المتطوعين، باعتبار العمال الإنسانيين محيدين بموجب القانون الدولي الإنساني واستهدافهم هو جريمة حرب، بينما عندما يكون هناك محاولات لنزع هذه الصفة عنهم يعني ذلك أنهم باختصار هدف مشروع لروسيا، وهذا ما حاولت روسيا طوال سنوات على صناعته.

محاولة تشويه صورة متطوعي الخوذ البيضاء طوال سنوات كانت تهدف لرسم صورة ذهنية سلبية، وذلك بهدف قطع الطريق أمام وصول الوثائق التي تملكها المؤسسة إلى المحافل الدولية لما فيها من إدانة واضحة لانتهاكات النظام وروسيا بحق السوريين.

التضليل الإعلامي الروسي بشكل موجّه لمهاجمة الخوذ البيضاء على كافة المستويات، سواء كمؤسسة أو كأفراد، ومحاولة تشويه صورتها واتهامها بتنفيذ هجمات كيماوية أو فبركة هجمات كيماوية، أو فبركة عمليات الإنقاذ، وهذا كان بإطار محاولة تضليل الرأي العام والإساءة للقضية السورية ككل لكون استهداف الخوذ البيضاء هو جزء من حملة ممنهجة ضد مشروع التغيير في سوريا وأي جهة تعتبر جزء من هذا المشروع.

المراوغة لكسب الوقت

منذ بداية تدخلها العسكري بشكل مباشر في سوريا، نهجت روسيا سياسة المراوغة وفرض هدن شكلية بهدف التفرد والسيطرة على الأرض بحجج خرق هذه الهدن وتكررت تلك الهدن الزائفة والتي كانت بالغالب من طرف روسيا والنظام فقط، دون أي ضمانات دولية، وكانت تسبق أي حملة عسكرية، ومن أهم تلك الاتفاقيات والتي بالرغم من أن روسيا شاركت فيها لكنها تنصلت منها وكانت آثارها كارثية، هي اتفاق خفض التصعيد الذي وقّع في آيار عام 2017 وتضم مناطق خفض التصعيد محافظة إدلب وأجزاء معينة من المحافظات المجاورة (اللاذقية، حماة، وحلب)، ومناطق من شمال محافظة حمص، والغوطة الشرقية، ومناطق محددة من جنوبي سوريا (محافظتي درعا والقنيطرة)، ولم تلتزم روسيا بالاتفاق واستولت على تلك المناطق واحدة تلو الأخرى بعد أن دمرتها ولم يبقَ إلا منطقة خفض التصعيد الأولى والتي تضم إدلب وأجزاء من حلب واللاذقية وحماة.

وفي 17 أيلول من عام 2018 توصلت تركيا وروسيا لاتفاق سوتشي حول إدلب، ولكن روسيا أيضا خرقت هذا الاتفاق، ودعمت قوات النظام بشن حملة عسكرية على الشمال السوري في 26 نيسان عام 2019، واستمرت حتى 5 آذار من عام 2020، حيث تم توقيع اتفاق وقف إطلاق النار ودخل حيز التنفيذ في 6 آذار، ولكن قوات النظام وروسيا تخرق بشكل يومي وقف إطلاق النار وتهدد بشكل دائم بشن حملة عسكرية جديدة.

الدعم السياسي المفتوح

المصالح المشتركة بين روسيا ونظام الأسد لم تكن وليدة اللحظة بل ترجع لزمن الاتحاد السوفيتي، ومنذ عام 2011 لم تتوانَ روسيا عن دعم نظام الأسد سياساً في الأمم المتحدة ومجلس الأمن وكثفت دعمها السياسي بعد تدخلها العسكري المباشر عبر استخدام حق الفيتو 17 مرة في مجلس الأمن الدولي وكان آخرها في شهر تموز بالتصويت ضد تمديد التفويض لآلية إدخال المساعدات العابرة للحدود والضغط لإدخال المساعدات عبر خطوط النزاع وهو ما يعني تمكين نظام الاسد من استخدام سلاح الحصار مجدداً، وحقوقياً عبر التصويت دائماً ضد كافة قرارات مجلس حقوق الإنسان، وضدَّ تمديد عمل لجنة التحقيق الدولية في سوريا، وضدَّ إنشاء آلية التحقيق المحايدة المستقلة، وضدَّ عمل لجنة نزع الأسلحة الكيميائية.

وتمكنت روسيا من فرض حالة ابتزاز سياسي على الملف الإنساني وربطت استمرار المساعدات مقابل تنازلات هدفها دعم نظام الأسد ومحاولة تعويمه سياسياً، وتوفير غطاء أممي لاستخدام أموال الدول المانحة في إعادة إعمار مؤسسات نظام الأسد وسجونه تحت بند حزم التعافي المبكر، في تحايل واضح على العقوبات الدولية وشروط إعادة الإعمار.

وجاء التوظيف السياسي الروسي لملف المساعدات الإنسانية مستفيداً من الوضع الدولي الراهن وغياب الجدية في التعاطي مع الملف السياسي في سوريا، ويشكل هذا التوظيف عامل تهديد للوضع الإنساني في شمال غربي سوريا ويفرض شللاً وحالة من العطالة على عمل المنظمات الإنسانية، وغياباً للاستقرار في تدفق المساعدات المنقذة للحياة بما يهدد حياة أكثر من 4 ملايين مدني نصفهم مهجرون.

تكرار السيناريو

نقلت روسيا السيناريو السوري إلى مناطق أخرى من العالم (أوكرانيا) وكررت التكتيكات العسكرية وسيناريو التضليل وما يتبعه من استهداف ممنهج للبنية التحتية والمدنيين، وخاصة أن هجماتها على السوريين لم تجد أي ردع أو محاسبة رغم أنها انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني، وتحول الإرهاب الروسي لإرهاب عابر للحدود يزعزع الحياة على كوكب الأرض.

سبع سنوات مرت على بدء الهجمات الإرهابية من القوات الروسية على المدنيين في سوريا بهدف دعم نظام الأسد، دون بوادر بوقفها والبدء بالحل السياسي وفق قرار مجلس الأمن 2254 والذي على ما يبدو سيبقى حبراً على الورق، وعلى المدى الطويل.

تحقيق العدالة والسعي إليها بإصرار يجب أن تكون أولوية للبشرية حتى لا يشعر أي دكتاتور أو بلد أن لديه الضوء الأخضر لارتكاب الفظائع والانتهاكات، إذا تمت محاسبة القوات الروسية وحليفها نظام الأسد على جرائمهم، هذا يعني أنه أي مستبد ومجرم في العالم سيُحاسب مستقبلاً، لكن إفلاتهم من العقاب يعني أن الجريمة التالية ستكون مسألة وقت فقط.

لا يمكن لمن مارس الإرهاب وقتل المدنيين وشرد واستخدم الأسلحة المحرمة ودمر المدن واستهدف المشافي والمدارس والعمال الإنسانيين أن يكون يوماً في ضفة السلام، وإن المجتمع الدولي مطالب بالوقوف بحزم في مواجهة إرهابهم الذي تمادى بعد عدم محاسبتهم في سوريا، ومحاسبتهم عليه هي ردع لأي عدوان في المستقبل، وهو صون للبشرية .