نص كلمة مدير الدفاع المدني السوري "رائد الصالح" في جلسة خاصة لمجلس الأمن لمناقشة الأوضاع والتطورات في سوريا
السيد الرئيس.
السيدات والسادة، أعضاء مجلس الأمن المحترمين
أشكركم على هذه الدعوة وعلى منحي هذا الوقت الثمين.
قبل نحو عشر سنوات، تحدثت في هذا المجلس عن فظائع البراميل المتفجرة، والتهجير القسري، والإخفاء القسري والحصار، وجرائم الحرب الأخرى، وطالبت بإيقاف هذه الجرائم بحق السوريين. وفي هذه السنوات العشر تغير الكثير من الأشياء لكن دون أن تتوقف هذه الجرائم، وأخذ العالم يتجاهل مأساة السوريين.
وأنا اليوم بنفس المكان وأحمل نفس المطالب لأجدد الدعوة لكم بإنهاء هذه الجرائم وتحقيق السلام. لقد ترددت قبل أن أدعوكم لذلك مجدداً، ولكن مسؤوليتي تجاه سوريا تجبرني على الوقوف هنا مرة أخرى.
منذ ستة أيام ومع تغير خريطة السيطرة العسكرية على الأرض، تصاعدت الهجمات الوحشية التي يشنها النظام السوري وروسيا والمليشيات الإيرانية العابرة للحدود على السوريين، خاصة في المناطق الخارجة عن سيطرته في شمال سوريا، واستجابت الخوذ البيضاء ل٢٧٥ هجومًا، وأدت هذه الهجمات حتى الآن لمقتل مالايقل عن مئة مدني وجرح ثلاثمائة وستين آخرين، وشردت عشرات الآلاف من السكان أغلبهم نساء وأطفال.
هذه الهجمات استهدفت عمداً المدنيين والبنية التحتية الحيوية بما في ذلك المدارس والمستشفيات ومخيمات المهجرين قسراً،…. من يتوقع أن تكون دولة عضو في الأمم المتحدة وعضو دائم في مجلس الأمن مشاركة في هذه الجريمة البشعة و تأتي بطائراتها قاطعة آلاف الكيلومترات لتشن هجمات قاتلة على السكان وتدمر المشافي والمرافق الحيوية.
سيداتي وسادتي، إن دولة روسيا التي يشاركنا مندوبها الجلسة في هذا المجلس، شنت يوم أمس غارات جوية وحشية أخرجت أربع مشافٍ في مدينة إدلب عن الخدمة منتهكة القوانين والأعراف الدولية ومن بين المشافي مشفىً نسائي للتوليد.. تخيلوا ما الذي حصل للمرضى، أنا أقول لكم.. .من بين الحالات التي وثقناها مريضان داخل المشفى توفيا بعد أن توقف جهاز التنفس عنهما في وحدة العناية المركزة جراء الغارات الجوية، ولدينا كل الوثائق والأدلة على هذا الهجوم الوحشي المتعمد.
لقد كان يوم الأمس أحد أكثر الأيام دموية منذ سنوات، قتل نظام الأسد وروسيا خمسة وعشرين مدنيا أغلبهم أطفال وجرحوا ستة وستين آخرين، يوم لا يمكن أن أنساه، لا يمكن أن أنسى وجوه الأطفال ونظراتهم بعد أن استهدفت طائرات النظام السوري خيامهم في مخيم قرب إدلب. قد تستغربون يا سادة، لماذا تستهدف طائرة حربية خيمة قماشية وتقتل سبعة أطفال ووالدتهم..؟؟ الجواب هو القتل ولا شيء آخر... كان الأطفال ينتظرون بفارغ الصبر توديع الخيام والعودة لقريتهم في ريف حماة، القرية التي لا يعرفون إلاّ اسمها... لكنهم رحلوا ورحلت أحلامهم معهم، وعندما شاهد والدهم ما حصل أصيب بالجنون… فقد كامل عائلته… فقدهم وبقي وحيداً يحمل ذكرياتهم وما بقي من ملابسهم المصبوغة بالدماء.
مدينة حلب… مدينة التاريخ والحضارة...كان لها نصيب من الموت والتدمير السوري الروسي أيضاً. فبعد أن تغير ميزان القوى على الأرض، لم تعد مدينة حلب والمناطق المحيطة بها تحت سيطرة النظام السوري والميليشيات الإيرانية، ودفع السكان الثمن مرة أخرى بسبب الحل العسكري الذي فرضه النظام السوري وجعله استراتيجية له بدلاً من الدفع بالحل السياسي. لقد عادت بنا الذاكرة اليوم إلى بداية عملنا في مدينة حلب عام 2013 عندما كانت تنهال البراميل المتفجرة على رؤوس المدنيين، ونحن نشهد اليوم مرة أخرى سياسة الأرض المحروقة والعقاب الجماعي التي ينتهجها النظام السوري وحلفاؤه. استجبنا خلال الأيام الماضية لغارات جوية استهدفت المستشفى الجامعي وكنيسة والمناطق السكنية في المدينة والساحات العامة، في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني.
وأقول هنا إلى أهلي في حلب، نحن معكم، وإلى جانبكم ونشارككم مخاوفكم من المزيد من التصعيد العسكري وخطر فوضى السلاح، ونسعى لنساندكم ونضمد جراحكم، ولقد تمكن زملائي من أبناء حلب من العودة لمدينتهم ومساعدة سكانها بعد أن هجرهم منها النظام السوري قسراً قبل عدة سنوات, حيث أرسلنا سيارات إسعاف وفرق متخصصة للعمل جنبا إلى جنب الشركاء الإنسانيين وخدمات الطوارئ الموجوجة في المدينة, ونحن نقيم الوضع باستمرار لتكييف إجراءاتنا وفقا للوضع والإمكانيات.
لم تتوانَ الخوذ البيضاء منذ تأسيسها، عن أداء مهمتها في دعم الشعب السوري بكل مكوناته، فنحن من الشعب ومن أجل الشعب، ومن المؤسف أنه أصبح من المستحيل علينا مواصلة تقديم خدماتنا في المناطق التي خضعت لسيطرة النظام السوري بسبب تعمد استهداف وقتل متطوعينا، وعلى مر السنوات من عملنا، فقدنا أرواح ثلاثمائة وثلاثة عشر متطوعاً أغلبهم بسبب الاستهداف العسكري المتعمد لكوادرنا وسياراتنا ومراكزنا من قبل النظام وروسيا.
السيد الرئيس:
في هذه اللحظات شعور بالخوف ينتابني على كل سوري وطفل وامرأة ورجل، لأن هناك احتمال باستخدام السلاح الكيميائي مجدداً من قبل النظام السوري. هذا النظام الذي له سجل كبيراً من الانتهاكات في استخدام السلاح الكيميائي للحصول على استحقاقات عسكرية، وهو نهج انتهجه خلال سيطرته على دوما في ريف دمشق عام ألفين وثمانية عشر وفي العديد من الأماكن الأخرى، لقد اعترف النظام السوري باستمرار تصنيع السلاح الكيميائي وتطويره وفق تقرير مدير منظمة حظر الأسلحة الكيميائية وهو مؤشر خطير جداً و خرق واضح لقرار مجلس الأمن 2118 واتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية، وإن عدم محاسبة النظام السوري على انتهاك القرار الدولي والاتفاقية يجعل المدنيين تحت خطر استخدام هذه الأسلحة مجدداً في أية لحظة.
ولا يخفى علينا كسوريين تورط روسيا في تعطيل القرارات والجهود الدولية الرامية إلى حل مشكلة الأسلحة الكيميائية، وندعو روسيا للكف عن دعم النظام السوري وحمايته باستخدامها للفيتو ضد القرارات الدولية والكف عن نهجها التضليلي الذي يستهدف الخوذ البيضاء وفرق التحقيق الدولية في كل مناسبة وندعوها للكف عن تعطيل مسار العدالة والمحاسبة.
السيد الرئيس، السادة أعضاء المجلس
إن حجم هذه الأزمة يتطلب اتخاذ إجراءات فورية وحاسمة و خطوات ملموسة لحماية المدنيين وإنهاء الهجمات على السكان والمرافق الحيوية، وحماية العمال الإنسانيين و المستجيبين الأوائل ولا بد من وقف الانتهاكات المستمرة للقانون الإنساني الدولي، بما في ذلك التهديد الوشيك بالهجمات الكيميائية.
كما يجب العمل مع جميع الأطراف المحلية والإقليمية لضمان التزام أطراف الصراع بالقانون الإنساني الدولي, والامتناع عن استهداف العاملين في المجال الإنساني، واحترام حقوق الإنسان لجميع المدنيين بغض النظر عن انتماءاتهم أو هوية القوى المسيطرة على مناطقهم، لا يوجد سبب يبرر الاستهداف المتعمد للمدنيين أو بنيتهم التحتية أو كرامتهم
ويأتي هذا التصعيد في وقت لم يتم فيه تلبية سوى ثلاثين بالمئة من خطة الاستجابة الإنسانية في سوريا، وهو أدنى مستوى لها منذ بداية الأزمة الإنسانية في سوريا. ورغم صعوبة الظروف تقود المنظمات غير الحكومية السورية الاستجابة الإنسانية، وهناك حاجة ملحة إلى التمويل والمساعدات الفورية لملايين المدنيين المتضررين، وأحثّ المجلس على ضمان الوصول عبر الحدود حتى تستمر المساعدات في الوصول إلى المحتاجين.
السيد الرئيس، أعضاء المجلس
لقد ناشدكم الشعب السوري لاتخاذ إجراءات فورية لإنهاء هذه الجرائم وضمان السلام رغم أنها جوهر وجود المجلس، ولكن في السنوات الماضية لم تفشلوا فقط في الاستجابة لهذه النداءات ، بل تجاهلت العديد من حكوماتكم المأساة السورية. لقد فشل المجتمع الدولي إنسانياً وسياسياً، كانت سوريا أرض اختبار للإفلات من العقاب، وكان الفشل في محاسبة الجناة له عواقب كارثية تتجاوز حدودنا، مما شجع الجناة على ارتكاب المزيد من الجرائم في أوكرانيا والسودان و غزة.
إن الأزمة الحالية في جذورها سياسية وليست إنسانية، ويحتاج السوريون إلى جدول زمني واضح للتوصل إلى حل سياسي يضمن حماية المدنيين، ووضع خطط لفترة انتقالية تؤدي إلى انتخابات حرة وتفكيك شبكات إنتاج وتهريب المخدرات، وطرد المليشيات العابرة للحدود، ومن المهم أن يسرّع المجلس من الجهود الرامية إلى الدفع نحو حل سياسي وفق القرار 2254 لوقف الهجمات على السوريين وضمان السلام المستدام..
لقد خذل هذا المجلس الشعب السوري على مدى أكثر من ثلاثة عشر عامًا، وآمل ألا تقع كلماتي اليوم على آذان صماء مرة أخرى.
رسالتي الأخيرة لكم ولكل العالم: إن السوريين في دمشق وحلب ودرعا والسويداء .. وفي إدلب والساحل والجزيرة وحمص وحماة…مازال يتوقون للحرية وللتغيير ولبناء وطن كريم يعمه السلام يحافظون فيه على انتمائهم وعلى هويتهم الوطنية السورية الجامعة.. ولن يتخلوا عن حقهم في العدالة ومحاسبة المجرمين