الحرائق .. مخاطر تهدد البيئة والسكان.. تقرير موسع لـ 4 سنوات من عمليات الدفاع المدني السوري

 تشكّل الحرائق التي تجتاح الغابات والحقول في شمال غربي سوريا تهديداً كبيراً يتزايد مع مرور الوقت، خصوصاً خلال أشهر الصيف الحارة، وتمثل هذه الحرائق خطراً جسيماً على حياة السكان المدنيين، لا سيما أولئك الذين يعيشون في المخيمات والمنازل المحيطة بالمناطق الزراعية والغابات، ومع استمرار الأزمة الإنسانية في سوريا، تفاقم الحرائق من الوضع بشكل خطير

 

الآثار السلبية للحرائق على البيئة والسكان

1- التأثير على البيئة: 

تشكّل الحرائق التي تلتهم الأراضي الزراعية والغابات في شمال غربي سوريا تهديداً خطيراً خاصةّ خلال أشهر الصيف الحارة، حيث تراجع الغطاء النباتي بشكل كبير خلال العقود الأخيرة، ممّا أضعف قدرة البيئة على مقاومة الحرائق

تدمير الغطاء النباتي: تؤدي الحرائق إلى تدمير مساحات شاسعة من الغابات، مما يتسبب في فقدان التنوع البيولوجي وزيادة التعرية الأرضية. هذا بدوره يؤدي إلى تدهور التربة وتقليل قدرتها على الاحتفاظ بالمياه، مما يزيد من مخاطر الفيضانات والانجرافات الأرضية.

تلوث الهواء: تساهم الحرائق في إطلاق كميات كبيرة من الغازات السامة والملوثات في الجو، مما يؤثر على جودة الهواء ويزيد من مخاطر الأمراض التنفسية بين السكان المحليين.

2- التأثير على حياة السكان:

تهديد الحياة: تعرض الحرائق سكان المخيمات والمناطق الريفية لخطر الإصابات الشديدة أو الموت، حيث يجد الكثيرون أنفسهم محاصرين بالنيران دون أي وسيلة للنجاة.

خسائر في الممتلكات وسبل العيش: تؤدي الحرائق إلى تدمير المنازل والممتلكات الأساسية، مما يضعف سبل العيش ويزيد من الفقر بين السكان المتضررين. كما تؤدي إلى تدمير المحاصيل الزراعية ومخازن الغذاء، مما يزيد من انعدام الأمن الغذائي.

وفي مواجهة هذا التهديد المستمر، بذل متطوعو الدفاع المدني السوري "الخوذ البيضاء" جهوداً مكثفة لإطفاء الحرائق وحماية الأرواح والممتلكات، بعد تلقيهم تدريبات عالية المستوى على مدار السنوات الماضية، تمكّنوا من التصدي لهذه الحرائق بكفاءة، رغم التحديات المتزايدة.

وقد شهد عام 2024 ارتفاعاً غير مسبوق في عدد الحرائق، حيث تم تسجيل 1,190 حريقاً في شهر حزيران وحده.

عمليات إطفاء الحرائق في شمال غربي سوريا بين عامي 2021 – 2024

استجاب متطوعو الدفاع المدني السوري "الخوذ البيضاء" إلى ما يزيد عن 9,256 حريقاً طال 633 قرية خلال الفترة الممتدة من كانون الثاني 2021 حتى حزيران 2024. 

وشهد عام 2023 ارتفاعاً ملحوظاً في عدد الحرائق المستجاب لها، حيث بلغت 2,760 حريقاً، مقارنة بـ 2,354 حريقاً في عام 2021 و 1,929 حريقاً في عام 2022.

ويشير النصف الأول من عام 2024 إلى استمرار هذا الاتجاه الصاعد، حيث تم تسجيل 2,213 حريقاً، مما يمثل زيادة كبيرة مقارنة بالأعوام السابقة والنصف الأول منها.

وعلى الرغم من الجهود المبذولة، فإن هذا الارتفاع يشير إلى تحدٍ مستمر يتطلب تكثيف الجهود للحد من انتشار الحرائق وحماية المجتمعات المحلية.

وفي المقارنة بين النصف الأول للعام الحالي 2024 والفترة الزمنية نفسها خلال الأعوام السابقة:

أخمد متطوعو الدفاع المدني السوري "الخوذ البيضاء" خلال النصف الأول من عام 2024 ما مجموعه 2,213 حريقاً ضمن 398 قرية.

وخلال خلال النصف الأول من عام 2023 ، ما مجموعه 1,375 عملية إطفاء ضمن 304 قرية.

وخلال النصف الأول من عام 2022 ما مجموعه ما مجموعه 1,003 عملية إطفاء ضمن 253 قرية.

وخلال النصف الأول من عام 2021  ما مجموعه 1,223 عملية إطفاء ضمن 286 قرية.  

وكان للدفاع المدني السوري "الخوذ البيضاء" دوراً حاسماً في التخفيف من آثار الحرائق المدمرة في شمال غربي سوريا

ضحايا الحرائق ( 2021 – 2024)

تسببت الحرائق في خسائر فادحة في الأرواح وإصابات. بين كانون الثاني 2021 وحزيران 2024، إذ توفي 68 شخصاً، بينهم ست نساء و25 طفلاً، نتيجة الحرائق، بينما أنقذت فرق الخوذ البيضاء 519 شخصاً، بينهم 80 امرأة و126 طفلًا أثناء عمليات الإطفاء.

 

الحرائق حسب المكان  ( 2021 – 2024)
بين عامي 2021 و2024، كانت الأراضي الزراعية الأكثر تضرراً، حيث مثلت 30% من مجموع الحرائق. تلتها المنازل التي شكلت 26% من الحرائق، ثم الطرق بنسبة 9%.    

 

الحرائق في الحقول الزراعية والغابات

شكلت الحرائق في الحقول الزراعية والغابات تهديداً كبيراً للاقتصاد المحلي والأمن الغذائي في شمال غرب سوريا، تمكنت فرقنا من إطفاء 3,354 حريقاً في الحقول الزراعية والغابات منذ عام 2021، في 534 قرية ضمن 41 ناحية، مما ساهم في حماية المحاصيل الحيوية والحد من الخسائر.

استمرت العديد من عمليات إطفاء الحرائق في الحقول الزراعية والغابات لساعات طويلة، حيث تطلب 17 حريقاً أكثر من 12 ساعة من الجهود المتواصلة بمشاركة عدة فرق من المتطوعين وعدد كبير من الآليات، واجه المتطوعون تحديات عديدة، أبرزها وعورة الطرق، والتيارات الهوائية، وتضاريس المنطقة الجبلية التي تشمل منحدرات وجروفاً صخرية، كما زادت درجات الحرارة المرتفعة ونشاط الرياح من انتشار النيران في بعض الحالات، وفي المناطق الوعرة، حالت التضاريس دون دخول سيارات الإطفاء، مما أجبر المتطوعين على حمل خراطيم المياه الثقيلة ومدّها لمسافات طويلة للوصول إلى بؤر النيران والسيطرة عليها.

شهدت ناحية صوران شمالي حلب العدد الأكبر من الحرائق ضمن الأراضي الزراعية منذ عام 2021 (206 حرائق)، تلتها ناحية معرة مصرين بريف إدلب (168 حريقاً)، ثم أخترين شمالي حلب (149 حريقاً)، والباب شرقي حلب (147 حريقاً). مما ترك آثاراً سلبية كبيرة على المزارعين والإنتاج الزراعي ضمنها.

الحرائق في المنازل

تمكن المتطوعون من إطفاء 2,384 حريقاً اندلع في المنازل منذ عام 2021، حيث شملت عمليات الإطفاء 317 قرية ضمن 40 ناحية، ساهمت هذه الجهود بشكل كبير في حماية السكان وتقليل الأضرار، كان مركز مدينة إدلب الأكثر تضرراً، حيث سجلت فرقنا 344 حريقاً منذ عام 2021، تلتها ناحية الدانا في ريفها الشمالي بـ 211 حريقاً، ثم ناحية مركز مدينة الباب بـ 196 حريقاً.

 

الحرائق في المخيمات

منذ عام 2021، نجحت فرقنا في إطفاء 647 حريقاً اندلع في مخيمات شمال غربي سوريا، موزعة على 436 مخيم ضمن 27 ناحية، هذه الجهود كانت ضرورية لحماية سكان المخيمات الذين يعيشون في ظروف صعبة وهشة، وبرزت ناحية الدانا كأكثر النواحي تضرراً، حيث شهدت 240 حريقاً، تلاها ناحية مركز مدينة اعزاز بـ 136 حريقاً، ثم ناحية معرة مصرين بـ 71 حريقاً في المخيمات الواقعة ضمن هذه التجمعات.

يعكس هذا العدد من الحرائق التحديات الخطيرة التي تواجه المجتمعات النازحة في هذه المناطق، ويؤكد على أهمية استمرار دعم جهود الإطفاء لتأمين حياة هؤلاء السكان، ويعود هذا الارتفاع في عدد الحرائق إلى عوامل متعددة، منها الاستخدام غير السليم للمواقد، والظروف المعيشية القاسية، والبنية التحتية المتضررة، كما تسلط هذه الحوادث الضوء على الحاجة الملحة لتعزيز جهود الوقاية وتقديم المساعدات الإنسانية للمجتمعات النازحة، لضمان سلامتهم وتحسين ظروف معيشتهم في هذه المخيمات المزدحمة وغير الآمنة، والتأكيد على ضرورة ضمان عودة آمنة للمدنيين لمدنهم ومنازلهم بعد محاسبة النظام وروسيا وحلفائهم على جرائمهم بحق السوريين.

 

الحرائق في المصافي النفطية البدائية
أدى انتشار المصافي النفطية البدائية "الحرّاقات" إلى زيادة خطر الحرائق الكارثية، حيث تشكل هذه المنشآت، والتي غالباً ما تقع في مناطق خطرة، تحديات كبيرة لفرق إطفاء الدفاع المدني السوري، وتمكنت فرقنا من إطفاء 362 حريقاً في هذه المصافي البدائية منذ عام 2021، وشهدت قرية عريمة في منطقة ترحين بمدينة الباب بريف حلب وحدها 315 حريقاً في المصافي النفطية البدائية منذ عام 2021.

حملات التوعية بالوقاية من الحرائق
للحد من الخسائر البشرية الناجمة عن الحرائق، كثفت فرق الدفاع المدني السوري "الخوذ البيضاء" حملات التوعية بالوقاية من الحرائق التي شملت منذ عام 2021 ما مجموعه 15,113 شخصاً، بما في ذلك 6,002 امرأة و 5,584 طفلاً، و1,070 طفلة عبر قنوات متنوعة من التوعية المجتمعية شملت المدارس، والمخيمات، والمنازل والحقول الزراعية.

عمليات إطفاء الحرائق خلال النصف الأول من 2024

خلال النصف الأول من عام 2024، شهدت عمليات إطفاء الحرائق زيادة ملحوظة، حيث استجاب متطوعو الخوذ البيضاء لـ 2,213 حريقاً في 398 قرية ضمن 39 ناحية بشمال غربي سوريا، وقد لوحظ زيادة حادة بشكل خاص في الربع الثاني من العام، حيث أخمد المتطوعون 1,812 حريقاً في 386 قرية ضمن 39 ناحية.

شارك متطوعو الدفاع المدني السوري "الخوذ البيضاء" في عمليات إطفاء الحرائق، مسجلين 9,145 مهمة فردية، كما تم تسجيل 2,868 مهمة خروج للآليات للمساعدة في جهود إطفاء الحرائق، بإجمالي 2,462 ساعة عمل.

كما شهد عام 2024 ارتفاعاً في أعداد الحرائق، خاصة في شهري أيار (501 حريق) وحزيران (1,190 حريقاً) بالتزامن مع ارتفاع درجات الحرارة وبدء موسم الحصاد.

 

الحرائق حسب المكان (النصف الأول من 2024)
خلال النصف الأول من عام 2024، كانت الأراضي الزراعية الأكثر تضرراً، حيث مثلت 48% من مجموع الحرائق، تلتها المنازل التي شكلت 18% من الحرائق، ثم الطرق بنسبة 7%. كما تم تسجيل أكبر عدد من الحرائق في مدينة إدلب (105 حرائق)، تلتها مدينة الباب (102 حريق)، ثم قرية ترحين (77 حريقاً).

يؤكد انتشار الحرائق في المناطق الزراعية على الحاجة الملحة لاستراتيجيات استجابة ووقاية بغية حماية سبل العيش والأمن الغذائي.


ضحايا الحرائق (النصف الأول من 2024)
تسببت الحرائق في خسائر فادحة في الأرواح وإصابات عديدة، إذ توفي أربعة أشخاص، بينهم رجلان وطفلان بسبب الحرائق، بينما أنقذت فرقنا 93 شخصاً، بينهم 18 امرأة و35 طفلاً أصيبوا بسبب الحرائق خلال النصف الأول من عام 2024.

خطة الخوذ البيضاء لإطفاء حرائق المحاصيل الزراعية خلال فصل الصيف

تتجاوز تأثيرات هذه الحرائق الأضرار البشرية المباشرة لتصل إلى تأثير كارثي على الأمن الغذائي، والموارد الزراعية الحيوية، بما في ذلك المحاصيل والأراضي الرعوية، التي تدمرها النيران، مما يؤدي إلى نقص حاد وارتفاع كبير في أسعار المواد الغذائية.

يزيد هذا من تفاقم التحديات التي يواجهها السكان الذين يعانون بالفعل من نقص في الحصول على الاحتياجات الأساسية.

تعتبر العواقب البيئية لهذه الحرائق مقلقة أيضاً، فإلى جانب انبعاث كميات هائلة من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي وتدمير الغطاء النباتي، تساهم هذه الحرائق في تسريع تغير المناخ، منذرةً بآثار بعيدة المدى ليس فقط على سوريا ولكن على الكوكب بأكمله.

استجابةً لارتفاع مخاطر الحرائق الزراعية خلال موسم الحصاد، نفذت "الخوذ البيضاء" خطةً شاملة لإطفاء الحرائق، وتركز هذه الاستراتيجية على الوقاية، والكشف المبكر، والاستجابة السريعة لتقليل تأثير الحرائق على الأراضي الزراعية.

شملت الخطة:
• تحديد 17 نقطة استجابة متقدمة لإطفاء الحرائق تغطي أكثر من 265,000 هكتاراً من الأراضي المزروعة.
• دعم 28 مركز استجابة أساسي لإطفاء الحرائق يغطي حوالي 985,000 هكتار من الأراضي المزروعة.
• تعبئة 43 مركزاً للخوذ البيضاء للاستجابة السريعة والتنسيق.
• التعاون مع مصادر إمداد المياه لضمان الوصول السريع إلى مياه الإطفاء.
• إشراك المجتمع من خلال حملات التوعية والتدريب للحد من مخاطر الحرائق وتعزيز الاستجابة السريعة، من خلال تعزيز التعاون مع المجتمعات المحلية والاستثمار في قدرات إطفاء الحرائق، تهدف الخوذ البيضاء إلى حماية الموارد الزراعية الحيوية وضمان الأمن الغذائي.

 

لا يمكن التقليل من شأن التحديات التي تفرضها الحرائق على سكان شمال غربي سوريا، ومع استمرار الأزمة الإنسانية في سوريا مع طول سنوات حرب النظام وروسيا وهجماتهم وحملات تهجير السكان، وضعف الاستجابة الإنسانية الدولية للمتضررين

 يجب تعزيز الجهود الاستراتيجية لحماية السكان والبيئة من آثار هذه الحرائق المدمرة، ويتطلب ذلك دعماً مستمراً للجهود المبذولة من قبل متطوعي الدفاع المدني السوري "الخوذ البيضاء"، والمجتمع الدولي لضمان استجابة فعالة ومستدامة لهذه الكارثة البيئية، ووضع حد لهجمات النظام وروسيا التي تهدد حياة المدنيين والواقع البيئي في المنطقة، ومحاسبتهم على جرائمهم بحق السوريين، وضمان عودة آمنة للمهجرين لمنازلهم وفق قرار 2254.