عامان على زلزال 6 شباط المدمر .. حين اجتمعت كارثتان على السوريين

 مضى عامان على زلزال السادس من شباط المدمر، الكارثة التي أعادت تعريف الاستجابة الإنسانية بوصفها انتصاراً لرغبة الحياة رغم الصعوبات والتحديات الكبيرة، خلال عامين مأساة السوريين تضاعفت لكن الرغبة في الحياة تبقى هي الأقوى.

مرّ عامان على كارثة الزلزال المدمر، كانت أيام ثقيلة على السوريين تضاعفت مأساتهم لتجتمع عليهم كارثتا الحرب والزلزال، وكان له أثر مدمر بعد أكثر من 12 عاماً من حرب نظام الأسد وروسيا والمليشيات الإيرانية، ففي تمام الساعة 4:17 ضرب زلزال مدمر بلغت قوته 7.8 درجات، مناطق شمالي سوريا وجنوبي تركيا، أعقبه آخر بعد ساعات بقوة 7.6 درجات، وعشرات الهزات الارتدادية ولم يقتصر أثر الكارثة على الخسائر الكبيرة في الأرواح والممتلكات فحسب بل شكلت أيضاً تحديات طويلة الأجل أمام التعافي والصمود في ظل البنية التحتية الهشة وتشريد آلاف العائلات وضعف الاستجابة ومشاريع التعافي واستمرار الهجمات العسكرية في ذلك الوقت والاستنفاد الكبير للقطاع الطبي وتحديات انتشار الأمراض والأوبئة.

كما أعادت كارثة الزلزال تعريف الاستجابة الإنسانية بوصفها انتصاراً لرغبة الحياة رغم الصعوبات والتحديات الكبيرة، وكانت ملحمة حقيقية شعبية صنعها العمل الجماعي الذي يعكس عمق العلاقة وتجذّرها بين مؤسسة الدفاع المدني السوري والمجتمعات التي تخدمها.

كان فجر السادس من شباط فجراً قاتلاً، وتجلى التحدي الأكبر في الرقعة الجغرافية الواسعة في شمال غربي سوريا وهي الأكثر تأثراً بالزلزال من باقي المناطق السورية، والتي تطلبت استجابة سريعة وطارئة، في ظل واقع صعب تعيشه، وهو ما قام بهِ الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) حيث أعلن حالة الطوارئ القصوى لإنقاذ العالقين تحت الأنقاض في 182 موقعاً ضمن 60 مجتمعاً، فيه أكثر من 580 مبنى مهدم كلياً وأكثر من 1578 مبنى تهدم بشكل جزئي.

واستطاع متطوعو الدفاع المدني السوري إنقاذ 2950 شخصاً من تحت الأنقاض بينما انتشلوا 2172 ضحية للزلزال، (وتمثل هذه الأرقام استجابة الدفاع المدني السوري للكارثة، ولا تعبر عن جميع الضحايا والمصابين بسبب الكارثة) وشارك في هذه العمليات أكثر من 3000 من كوادر الخوذ البيضاء منهم 2500 متطوع و 300 متطوعة و 200 موظف إداري، مع تعبئة كاملة للآليات الثقيلة والمعدات اللازمة، بالإضافة إلى استئجار عدد من الآليات الثقيلة من الأسواق المحلية.

72 ساعة ذهبية في مواجهة الكارثة

رغم أن عدد الضحايا وحجم الأضرار في شمال غربي سوريا كان الأكبر على مستوى الجغرافية السورية، لم يكن هناك أي تحرك مباشر دولي أو أممي لمساعدة المنطقة المنكوبة، وواجه متطوعو الدفاع المدني السوري، والسكان في شمال غربي سوريا آثار الزلزال المدمر وتمكنوا من الاستجابة وإنقاذ الأرواح، ورغم الازدياد المتواصل في الحاجات الإنسانية في شمال غربي سوريا فقد توقف دخول المساعدات الإنسانية من معبر باب الهوى في الـ 10 من تموز بعد انتهاء التفويض الأممي، بل وأعطت الفرصة لروسيا كي تلعب بالمساعدات الإنسانية كورقة سياسية تبتز بها المجتمع الدولي في أروقة مجلس الأمن رغم وجود النص القانوني الذي يسمح بمرور المساعدات دون الحاجة لقرار من المجلس، وبدلاً من توسيع المساعدات وإدخالها دون أي عوائق لتلبية الاحتياجات المتزايدة للسكان، سيطر نظام الأسد  حينها على ورقة المساعدات عبر الحدود شريان الحياة الباقي للسوريين بعد أن تسبب في مآسيهم كلها خلال مدة الـ 12 سنة الماضية.

أعمال الدفاع خلال المراحل اللاحقة للزلزال

ومع انجلاء غبار الزلزال بَدَا جلياً أن الكارثة أكبر من أن تتحملها دول، ولكن ورغم الصعوبات والتحديات كان لابد من العمل للتخفيف عن السوريين الذين باتوا يعانون من كارثتين، إحداهما كارثة طبيعية والأخرى كارثة مستمرة بفعل نظام الأسد وروسيا وحلفائهم وحربهم المستمرة على الشعب السوري، وفي هذا الإطار وبعد انتهائه من المرحلة الأولى في استجابته للزلازل، والتي شملت البحث والإنقاذ والانتشال، انتقل الدفاع المدني السوري إلى المرحلة الثانية والتي تضمنت فتح الطرق بطول 800 كم ضمن 335 تجمع سكاني، و119 مخيم، وإزالة الأسقف والجدران المعرضة للانهيار للحفاظ على أرواح المدنيين وتسهيل عمليات الاستجابة للطوارئ، بحجم يتجاوز الـ 30 ألف متر مكعب ضمن 125 تجمع سكاني لحماية المدنيين من المخاطر الناتجة عن انهيار الأسقف والجدران في المباني المتضررة والمنشآت العامة والمدارس.

وساعدت فرقنا بتأسيس مراكز الإيواء المؤقتة والبنية التحتية الأساسية لها، حيث تم فرش وتسهيل طرق وأراضي ومخيمات بمساحة 887,146 متر مربع ضمن 396 تجمع سكاني، و503 مخيم.

أما المرحلة الثالثة فقد شملت رفع الأنقاض والتعافي وإعادة التأهيل، وقامت فرق الدفاع المدني السوري بإزالة أكثر من 442 ألف متر مكعب من الأنقاض ضمن 162 تجمعاً سكنياً.

دور المجتمعات المحلية والشركاء

عززت مساهمة المدنيين وسكان المناطق المتضررة من قدرة الدفاع المدني السوري على الاستجابة بشكل أفضل في ضوء التقاعس الدولي وتأخير وصول المساعدات الأممية، التي كان من المفترض أن تصل بعد الكارثة بشكل عاجل وفوري للمساعدة في إنقاذ العالقين تحت الأنقاض، ولا يمكن إغفال دور شركاء الدفاع المدني السوري من دول مانحة ومنظمات متعاونة أو شريكة في التخفيف عن السوريين وتحسين سبل الاستجابة خاصة في مراحلها المتقدمة، وكان للتحالفات دور مهم في مراحل التعافي وهذا ما أثبتته المشاريع التي تم تنفيذها ضمن شراكات الدفاع المدني السوري مع المنظمات والمؤسسات الإنسانية الأخرى، التي كان في مقدمتها التحالف العملياتي المؤلف من المنتدى السوري والجمعية الطبية السورية الأمريكية، والدفاع المدني السوري والتحالف العملياتي التنفيذي بين الدفاع المدني السوري و الأمين للمساندة الإنسانية.

دور المتطوعات

الزلزال برهن مرة أخرى الدور المهم لمتطوعات الخوذ البيضاء في الاستجابة وكانت المتطوعات جزءاً أساسياً في مراحل الاستجابة جميعها منذ اللحظة الأولى للزلال، فمن عمليات البحث والإنقاذ في أصعب الظروف إلى متابعة أوضاع المنكوبين بالزلزال مروراً بالخدمات التي يقدمنها في مراكز النساء والأسرة ولعبت متطوعات الدفاع المدني السوري دوراً حاسماً في استجابة الزلزال وتخفيف معاناة السوريين المتأثرين بهِ، حيث قدمت متطوعات الخوذ البيضاء عشرات الخدمات الطبية في شمال غربي سوريا، خلال الفترة من 6 شباط 2023 وإلى نهاية العام، واستفاد من هذهِ الخدمات أكثر من 127 ألف مدني بينهم 83 ألف امرأة و31 ألف طفل في 238 مجتمعاً.

وفي عام 2024 قدمت مراكز صحة النساء والأسرة 143 ألف خدمة ضمن 198 مجتمعاً و 247 مخيماً استفاد منها 87 ألف امرأة و44 ألف طفل 11 ألف رجل.

 

مشاريع متعلقة بالتعافي من الزلزال خلال عامي 2023 ـ 2024:

نفذ الدفاع المدني السوري مشاريع بنى تحتية نوعية في إطار خطة عمل لتخفيف معاناة المدنيين وتسهيل تأمين أماكن الإيواء للمتضررين من الزلزال ضمن إطار عمليات التعافي وإنعاش المجتمعات المتضررة، من خلال التعاون والتنسيق مع المنظمات والجهات العاملة في شمال غربي سوريا.

مشاريع تأهيل الطرقات: 

إعادة تأهيل و تزفيت طرق في بلدة سرمدا (طريق سرمدا العمود وتفرعاته) بطول إجمالي 5050 متراً، متضمنة التخطيط الحراري للطريق، تركيب بلاط الإنترلوك، زراعة الإشجار و تركيب أعمدة الإنارة و تركيب المصارف المطرية و تركيب الإشارات الطرقية. 

إعادة تأهيل و وتزفيت طرق في عفرين (طريق عفرين-كفرجنة بطول 9500 متر وطريق جسرعفرين الثالث بطول 1650 متراً)، متضمنة التخطيط الحراري للطريق و إنشاء حواجز الخرسانة (النيوجرسي)، تركيب أعمدة الإنارة و تركيب الإشارات الطرقية. والذي قام به الدفاع المدني السوري عبر التحالف العملياتي المشكل من (المنتدى السوري، الدفاع المدني السوري، الجمعية الطبية السورية الأمريكية).

إعادة تأهيل و تزفيت طريق عين البيضا - القندريّة في جرابلس بمحافظة حلب بطول 8300 متر. متضمنة التخطيط الحراري للطريق و إنشاء حواجز الخرسانة (النيوجرسي)، تركيب أعمدة الإنارة و تركيب الإشارات الطرقية. 

إعادة تأهيل مدخل مدينة إدلب الغربي بطول 1400 متر، حيث شمل المشروع الرصف والدهان وتنسيق الحدائق والإضاءة، بهدف تنظيم حركة المرور والحد من مخالفات السير والحوادث المرورية، و إعطاء مظهر جمالي لمدخل الغربي لمدينة إدلب. 

إعادة تأهيل طريق مدخل مشفى مدينة اعزاز الوطني بطول 140 متراً، متضمنة زراعة الأشجار و تركيب أعمدة الإنارة. 

إعادة تأهيل شارع السوق في جسر الشغور بطول 235 متراً، شمل ذلك صيانة مصارف مياه الأمطار وتنظيف قنوات تصريف مياه الأمطار، وتركيب بلاط إنترلوك ملون وغرس الأشجار وتركيب أعمدة الإنارة .

إعادة تأهيل و وتزفيت طريق (سرمدا - كفر دريان) بطول إجمالي 3310 متراً، بالتعاون مع مؤسسة الشام الإنسانية. متضمنة التخطيط الحراري للطريق، تركيب بلاط الإنترلوك و تركيب أعمدة الإنارة و تركيب المصارف المطرية و تركيب الإشارات الطرقية. 

إعادة تأهيل و وتزفيت طريق النمرة – البالعة (مفرق الغفر/الظهر) في ريف إدلب الغربي، بطول نحو 5800 متراً في محافظة إدلب. متضمنة التخطيط الحراري للطريق و إنشاء حواجز الخرسانة (النيوجرسي) و تركيب الإشارات الطرقية.

صيانة طريق بين تل الكرامة وكفروحين بطول إجمالي 1800 متراً ضمن محافظة إدلب. 

صيانة طريق بين كلي وحزانو بطول إجمالي 1800 متراً ضمن محافظة إدلب. 

تأهيل الطرق وشبكات تصريف مياه الأمطار داخل 81 مخيماً في محافظتي حلب و إدلب. 

المساهمة في عمليات دعم المجتمعات والعملية التعليمية:

إعادة إعمار مدرسة خالد بن الوليد (112 غرفة) في جنديرس. 

إعادة تأهيل ساحة و سور مدرسة في مارع.

تأهيل 22 مدرسة تضم (192 غرفة صفية) 

تأهيل 33 مدرسة (مياه وصرف صحي في المدارس)

إعادة تأهيل كلية التربية في عفرين المتضررة من الزلزال.

إعادة تأهيل كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية في مدينة الباب

أعمال إعادة تأهيل شبكات المياه و الصرف الصحي للعيادات السنية ضمن جامعة حلب الحرة في مدينة إعزاز. 

 

 

مشاريع تأهيل شبكات مياه الشرب والصرف الصحي:

إعادة تأهيل شبكات مياه الشرب بطول نحو 50 كم متراً (من أنابيب البولي ايثيلين التي تستخدم لنقل مياه الشرب) وشبكات الصرف الصحي بطول أكثر من 80 كم متراً (من أنابيب البولي ايثيلين المحلزن) في كفركرمين - الكمونة في ريف حلب الريف الغربي، والتي تلبي احتياجات حوالي 7000 مأوى كريم للمنكوبين من الزلزال بُنيت على مساحة 200,000 متر مربع.

إعادة تأهيل شبكات الصرف الصحي بطول 2,100 متراً (من أنابيب البولي ايثيلين المحلزن) في مجتمع حوار النهر.

إعادة تأهيل شبكات الصرف الصحي بطول 3,050 متراً (من أنابيب البولي ايثيلين المحلزن) في مجتمع بابكة.

إعادة تأهيل شبكات الصرف الصحي بطول 1,650 متراً (من أنابيب البولي ايثيلين المحلزن) في مجتمع البردقلي.

إعادة تأهيل شبكات الصرف الصحي بطول 500 متراً (من أنابيب البولي ايثيلين المحلزن) في مجتمع بنش.

إعادة تأهيل شبكات الصرف الصحي بطول  5,077 متراً (من أنابيب البولي ايثيلين المحلزن) وتأهيل شبكات مياه الشرب بطول 4,900 متر اً (من أنابيب البولي ايثيلين التي تستخدم لنقل مياه الشرب)  ضمن مدينة الباب.

إعادة تأهيل شبكات الصرف الصحي 7,695 متراً (من أنابيب البولي ايثيلين المحلزن) في مدينة اعزاز.

أعمال تأهيل شبكات الصرف الصحي بطول إجمالي 4,490 متراً (من أنابيب البولي ايثيلين المحلزن) في بلدة ابو طلحة ريف إدلب.

تأهيل شبكات الصرف الصحي بطول إجمالي 736 متراً (من أنابيب البولي ايثيلين المحلزن) في بلدة بزاعة في ريف حلب.

إعادة تأهيل شبكات المياه بطول  1,090 متراً (من أنابيب البولي ايثيلين التي تستخدم لنقل مياه الشرب) في مخيمات الفداء ومخيمات بشمارون في ريف إدلب.

إعادة تأهيل شبكات المياه 2,190 متر اً (من أنابيب البولي ايثيلين التي تستخدم لنقل مياه الشرب في مجتمع كفروحين.

مراقبة كمية ونوعية المياه الجوفية والسطحية في مناطق عفرين وإعزاز (بعد زلزال شباط 2023) بالتعاون مع وكالة حماية البيئة السورية. 

 مشاريع بنية تحتية ومرافق عامة أخرى:

بناء مركز علاج السرطان في مدينة عفرين. 

بناء مسجد في قرية الملند التابعة لمحافظ إدلب عوضاً من المسجد الذي دمره زلزال 6 شباط 2023

إعادة تأهيل دور العبادات. 

إعادة تأهيل و ترميم أكثر من 75 مركز للدفاع المدني السوري. 

إعادة تأهيل سدة عبدالو لري نحو 45 ألف دونم. 

تأهيل 21 مرفق صحي (مشافي – مراكز الرعايا الصحية الأولية – مراكز النساء و الأسرة للدفاع المدني السوري). 

تأهيل وتجهيز مركز تمكين مجتمعي في جسر الشغور وفي عفرين.

إعادة تدوير أنقاض الزلزال أكثر من 4000 متر مكعب، وإعادة استخدام في ضمن أنشطة تأهيل الطرقات في المخيمات. 

تركيب محطات لرصد التغييرات المناخية (10 محطات رصد تم تركيبها بشكل فيزيائية تعمل على جمع البيانات العوامل الجوية ضمن محافظتي حلب و إدلب) و(5 محطات بشكل افتراضي تعمل على رصد التنبؤات). 

 

 

 

 

 

 

ولم تكن هذه المشاريع تهدف إلى إعادة بناء مرافق أساسية وإعادة تأهيل طرقات وشبكات مياه وصرف صحي فحسب، بل كانت تهدف أيضاً إلى تأمين الاستقرار للسكان وكان هذا الانتقال من الاستجابة الطارئة إلى التخطيط طويل الأجل، ورغم أن المؤسسة كانت تعمل خلال السنوات السابقة على مشاريع خدمية لدعم الصمود المجتمعي والتعافي المبكر للمجتمعات، لكن الاختلاف بعد الزلزال كان كماً ونوعاً بهذه المشاريع والأعمال.

مراكز الإيواء المؤقتة

انتهج النظام وروسيا سياسة التهجير القسري للسوريين خلال السنوات الـ 12 سنة التي سبقت الزلزال، الأمر الذي ترك نحو من مليوني سوري يعيشون في مخيمات تغيب عنها أدنى مقومات الحياة، ثم جاء الزلزال ليترك 40 ألف عائلة أخرى دون مأوى، ليتخذوا من مراكز إيواء بنيت على عجل مسكناً لهم، منها ما بٌني إلى جانب أنقاض منازل الناجين و المنكوبين من الزلزال، وهو ما جعلهم مثلهم مثل أكثر من مليوني مهجّر عرضة لظروف قاسية.

وساعدت فرقنا بتأسيس مراكز الإيواء المؤقتة والبنية التحتية الأساسية لها، حيث تم فرش وتسهيل طرق وأراضي ومخيمات بمساحة 887,146 متر مربع ضمن 396 تجمع سكاني، و503 مخيم.

ويعاني المنكوبون من كارثة الزلزال من فقدان لسبل العيش وغياب مقومات الحياة في مراكز الإيواء وتهديدات انتشار الأمراض وتسرب الأطفال من التعليم.

الهجمات والانتهاكات من قبل نظام الأسد

وبينما كان السوريون يحاولون التعافي من أثار الكارثة الثانية والمتمثلة بزلزال شباط المدمر كان الكارثة الأولى متمثلة بحرب نظام الأسد وروسيا والميليشيات الموالية لهم مستمرة، ولم تتوقف آلة الحرب عن سلب أرواح السوريين حيث وثقت فرقنا 1,322 اعتداءً عسكرياً ضمن 189 تجمع سكاني خلال عام 2023، حيث ازدادت وتيرة الاعتداءات العسكرية اعتباراً من شهر آب، كما شهد شهري أيلول وتشرين الأول العدد الأكبر من الاعتداءات، كان نظام الأسد مسؤولاً عن أكثر من 84 % من الاعتداءات، كما كانت القوات الروسية مسؤولة عن 6 % من الاعتداءات، كما كان مصدر 4 % من الاعتداءات مناطق خاضعة لسيطرة النظام السوري وقوات سوريا الديمقراطية، إضافة لعدد من الهجمات مجهولة المصدر.

استهدفت الاعتداءات مختلف المرافق المدنية بغية إيقاع العدد الأكبر من القتلى والجرحى في صفوف المدنيين، حيث طالت النسبة الأكبر من الاعتداءات (53%) الحقول الزراعية، تلتها منازل المدنيين (32%) ثم الطرق (5%)، كما طالت الاعتداءات كذلك المدارس، والمخيمات، والمباني العامة، والأسواق، والمشافي، والمساجد.

انتشل متطوعو الخوذ البيضاء خلال استجابتهم للاعتداءات العسكرية خلال عام 2023 جثامين 173 قتيلاً، من بينهم 24 امرأة و51 طفل، كما أنقذوا 720 مصاباً، من ضمنهم 97 امرأة و233 طفلاً، عانى المتطوعون أثناء عملهم من صعوبات كبيرة في الحركة بسبب رصد الأماكن المستهدفة بطيران الاستطلاع، والخشية من تجدد القصف أو الغارات المزدوجة خصوصاً في حال وجود مصابين تحت الأنقاض، علماً أن المتدربين تلقوا تدريبات خاصة حول آليات التعامل الخاصة مع المصابين، خصوصا النساء والأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة.

وخلال عام 2024، استجابت فرق الدفاع المدني السوري لـ 1178 هجوماً على المناطق السورية، من قبل قوات نظام الأسد البائد وروسيا وقوات سوريا الديمقراطية وحلفائهم، تسببت بمقتل 226 مدنياً بينهم 73 طفلاً و 28 امرأة، وإصابة 833 مدنياً بينهم 308 طفلاً و 129 امرأة.

 

الأعمال الموازية (إطفاء، استجابة لكوارث طبيعية، مخلفات حرب ..)

وبموازاة الأعمال التي قامت بها الخوذ البيضاء استجابة لزلزال الـ 6 شباط، استمر المتطوعون في العمل ضمن محاور المؤسسة الرئيسية الأخرى من خدمات الإسعاف، واستجابة للحرائق بكافة أنواعها و الكوارث الطبيعية وإزالة مخلفات الحرب، وحوادث السير، إضافة إلى أعمال التوعية، وسجلت الخوذ البيضاء بعد الـ 6 شباط 2023 وإلى نهاية عام 2023 تقديم أكثر من 83 ألف خدمة إسعاف استفاد منها من 131 ألف مدني، كما شهدت الفترة نفسها إقامة أكثر من 4350 جلسة توعية استفاد منها 84 ألف مدني، وأكثر من 6200 عملية متعلقة بإزالة مخلفات الحرب تم فيها إزالة أكثر من 930 ذخيرة غير منفجرة، وأيضاً استجابة فرق الخوذ البيضاء لأكثر من 2600 حريقاً راح ضحيتها 19 مدنياً بينهم 13 طفلاً و 3 نساء.

كما نفذت فرق الخوذ البيضاء الآلاف من العمليات الخدمية التي تهدف لتعزيز الصمود المجتمعي المحلي في مئات التجمعات السكنية، والمدن، والبلدات، والقرى، والمخيمات في شمال غربي سوريا، وتنوعت تلك الخدمات من غسيل المدارس والشوارع والحدائق والمنشآت العامة وعمليات حفر جور فنية وأساسات وحفر صيانة كهرباء، وعمليات ردم حُفر آبار مهجورة لتجنب حوادث السقوط، وحفر خط صرف صحي. كما نفذ المتطوعون أعمال تنسيق وتجميل مداخل ومخارج المدن وزرع الأشجار وسقايتها.

وفي عام 2024 بلغ عدد الأعمال الخدمية التي قدمتها الفرق خلال 18018 عملاً خدمياً في مناطق شمال غربي سوريا، وفي المناطق التي توسعت فرقنا بها بعد سقوط نظام الأسد في الشهر الأخير من العام 2024.

وتوزعت الأعمال على 4632 عملاً خدمياً في الطرقات الرئيسية، و 3101 في الطرقات الفرعية، و 646 في المباني العامة، و 3163 في المخيمات، و 1462 في المدارس، و 367 في المشافي، و 123 في الجامعات، أخمدت الفرق أكثر من 4300 حريق واستجابت لأكثر من 1790 حادث سير.

تطور قدرة الدفاع المدني السوري منذ الزلزال

لعبت خبرة فرق الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء)، التي اكتسبتها خلال نحو عقد من الاستجابة للقصف والغارات الجوية التي كان نظام الأسد وروسيا يشنها على المدن والبلدات السورية، دوراً مهماً في استجابة أكثر فعّالية خلال الزلزال رغم قلة الإمكانيات وكثرة الصعوبات، كمان إن اتساع الرقعة الجغرافية التي تطلبت الاستجابة، وضعف البنية التحتية جراء الحرب عقّدَ من المهمة لكن لم تجعلها مستحيلة.

أما في الفترة التي أعقبت الزلزال، فقد أخذت استجابة الخوذ البيضاء شكلاً أخر من خلال المشاريع والمشاريع الخدمية وجلسات التوعية وتدريب فرق رديفة من المتطوعين فأصبحت الاستجابة استباقية، كما أظهر الزلزال أهمية التنسيق والتعاون مع المجالس والمجتمعات المحلية، من ناحية أخرى فرض مفهوم إدارة الكارثة/الأزمة نفسه كأحد المكتسبات المعرفية الهامة لكارثة الزلزال.

الصحة النفسية

أطلق الدفاع المدني السوري في شهر آب من عام 2023 مشروع الدعم النفسي، سعياً للوصول لمجتمع متعافٍ نفسياً بعد سنوات الحرب وكارثة الزلزال التي تركت أثراً نفسياً وصدمات على مختلف الفئات، ومن خلال برامج المشروع الذي يستهدف الأطفال من خلال معرفة هواياتهم ومواطن القوة والضعف عندهم، وتمكينهم من التعامل مع الآخرين وتكوين العلاقات، والسيدات بجلسات تعزز مفاهيم الطفولة المبكرة، ومجالات النمو الحسية والجسدية والنفسية ورعاية التنشئة، والأمهات من خلال تدريب المهارات الوالدية لتعزيز العلاقات بين الأبناء ووالديهم ويزيد الفرص للأبناء بقدرتهم على التوجه السليم نحو أهدافهم.

 

تعزيز المشاركة المجتمعية في الاستجابة للكوارث

أطلق الدفاع المدني السوري مبادرة حيوية لتعزيز المشاركة المجتمعية في الاستجابة للكوارث من خلال تقديم دورات تدريبية تهدف إلى بناء قدرات الاستجابة للكوارث بين السكان في شمال غربي سوريا.

وكان للمشاركة المجتمعية من قبل السكان خلال كارثة الزلزال المدمر في 6 شباط، دور كبير في سرعة الاستجابة وتخطي الكثير من العقبات، وسيكون لبناء قدرات السكان المحليين دور كبير في تعزيز قدرات الاستجابة والمساهمة بشكل فعال في إنقاذ الأرواح، وتم تدريب أكثر من 2800 شاب وشابة على مبادئ إدارة الكوارث والإخلاء والإطفاء والإسعافات الأولية والبحث والإنقاذ والسلامة والوعي بخطر مخلفات الحرب.

تعد المشاركة المجتمعية إحدى العوامل الرئيسية التي تساهم في نجاح المجتمعات في تخطي الكوارث والأزمات، وتسهم في الحفاظ على استمرارية الحياة عن طريق تخطيط وإدارة وتنفيذ الخطط والاستراتيجيات التي تهدف إلى التعامل مع الكوارث والأزمات وآثارها السلبية المدمرة على المستوى الصحي والاقتصادي والنفسي والاجتماعي، وتأتي المشاركة المجتمعية الفعالة نتيجة لتكاتف المجتمع والعمل لهدف واحد وهو احتواء الأزمة وتخطيها والنجاة منها وتجاوز آثارها المدمرة المادية والمعنوية.

الأثر الطويل للزلزال

عمق الزلزال من معاناة السوريين وضاعف من الكارثة الإنسانية في شمال غربي سوريا، والحدث الذي استمر لثوانٍ خلف أثاراً ستستمر لسنوات، خاصة مع استمرار حرب النظام وروسيا خلال العامين الماضين قبل سقوط نظام الأسد، فما دُمِّرَ لن يُبنى وصواريخ النظام وروسيا كانت تلاحق السوريين، والبناء لا يمكن في منطقة تعاني ويلات حرب طويلة ويتم ابتزاز أهلها بقوت يومهم، وهذا علاوة على سلب الزلزال لألاف الأرواح التي لن تُمحى ذكراها، وسلبت من عشرات الألاف مأواهم الأخير وسيل عيشهم في ظل غياب الأفق الذي يعيدهم ويعيد المهجرين لمنازلهم ويعوضهم بما فقدوا.

زلزال شباط لم يكن الزلزال الوحيد الذي ضرب سوريا، إذ عاشت سوريا زلزالاً لم يشهد العالم له مثيلاً استمر لنحو أربعة عشر عاماً حرب وحشية مدمرة شنها نظام الأسد وروسيا والمليشيات العابرة للحدود على السوريين، في كل يوم تهتز الأرض ويسقط ضحايا .. وتدمر أبنية ومدارس ومساجد ومشاف، مدن كاملة مسحت على الخارطة، وقرى وبلدات لم يعد لها وجود، وما عجزت عن تدميره البراميل المتفجرة والغارات الجوية والصواريخ، تم تفخيحه وتجريفه.

لقد خلفت الحرب تداعيات كارثية على جميع القطاعات الصناعية والزراعية والبنية التحتية والصحة والتعليم والطرقات إذ يحتاج أكثر من ستة عشر مليون شخص إلى المساعدات وسبعة ملايين مهجر قسريا أغلبهم لم يتمكنوا من العودة إلى ديارهم بعد أن دمرت منازلهم، فيما تستمر معدلات سوء التغذية بالارتفاع ويعيش نحو تسعين بالمئة من السوريين تحت خط الفقر.

وتهدد مخلفات الحرب التي تنتشر في كل الأراضي السورية الأرواح وتقوض عودة السكان المهجرين واستثمار الأراضي الزراعية، وتعيق جهود إعادة الإعمار، وتحتاج هذه المخلفات لجهود كبيرة ولسنوات طويلة حتى يتم التخلص منها.

عامان على الزلزال، لم يكن مجرد انتقال بين تاريخين على التقويم بالنسبة للسوريين، بل أثقل كاهل السوريين كارثتان، حيث جاءت كارثة الزلزال فوق كارثة حرب النظام وروسيا وحلفائهم، لتزيد الأوضاع تعقيداً وصعوبة، وبالرغم من أنه كانا عامان مثقلان بالتحديات والصعوبات، لكن لم تغب فيه رغبة الحياة والأمل بالعدالة، والأماني بعودة السوريين إلى بيوتهم ومنازلهم وإعمار ما دمره الزلزال والحرب، وخاصة بعد انهيار نظام الأسد، ليكبر الحلم ببناء سوريا… سوريا الوطن التي يحلم بها كل السوريين.

 

No related posts yet
Please check back soon!