عام على الزلزال .. حين أصبحت الكارثة اثنتين
عام مضى على الزلزال، الكارثة التي أعادت تعريف الاستجابة الإنسانية بوصفها انتصاراً لرغبة الحياة رغم الصعوبات والتحديات الكبيرة، خلال 365 يوماً، مأساة السوريين تضاعفت في كل يوم لكن الرغبة في الحياة تبقى هي الأقوى.
مرّ عام على كارثة الزلزال المدمر، كان عاماً ثقيلاً على السوريين تضاعفت مأساتهم لتجتمع عليهم كارثتا الحرب والزلزال، وكان له أثر مدمر بعد أكثر من 12 عاماً من حرب النظام وروسيا، ففي تمام الساعة 4:17 ضرب زلزال مدمر بلغت قوته 7.8 درجات، مناطق شمالي سوريا وجنوبي تركيا، أعقبه آخر بعد ساعات بقوة 7.6 درجات، وعشرات الهزات الارتدادية ولم يقتصر أثر الكارثة على الخسائر الكبيرة في الأرواح والممتلكات فحسب بل شكلت أيضاً تحديات طويلة الأجل أمام التعافي والصمود في ظل البنية التحتية الهشة وتشريد آلاف العائلات وضعف الاستجابة ومشاريع التعافي واستمرار الهجمات العسكرية والاستنفاد الكبير للقطاع الطبي وتحديات انتشار الأمراض والأوبئة.
كما أعادت كارثة الزلزال تعريف الاستجابة الإنسانية بوصفها انتصاراً لرغبة الحياة رغم الصعوبات والتحديات الكبيرة، وكانت ملحمة حقيقية شعبية صنعها العمل الجماعي الذي يعكس عمق العلاقة وتجذّرها بين مؤسسة الدفاع المدني السوري والمجتمعات التي تخدمها.
كان فجر السادس من شباط فجراً قاتلاً، وتجلى التحدي الأكبر في الرقعة الجغرافية الواسعة في شمال غربي سوريا وهي الأكثر تأثراً من باقي المناطق السورية، والتي تطلبت استجابة سريعة وطارئة، في ظل واقع صعب تعيشه، وهو ما قام بهِ الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) حيث أعلن حالة الطوارئ القصوى لإنقاذ العالقين تحت الأنقاض في 182 موقعاً ضمن 60 مجتمعاً، فيه أكثر من 580 مبنى مهدم كلياً وأكثر من 1578 مبنى تهدم بشكل جزئي.
واستطاع متطوعو الدفاع المدني السوري إنقاذ 2950 شخصاً من تحت الأنقاض بينما انتشلوا 2172 ضحية للزلزال، (وتمثل هذه الأرقام استجابة الدفاع المدني السوري للكارثة، ولا تعبر عن جميع الضحايا والمصابين بسبب الكارثة) وشارك في هذه العمليات أكثر من 3000 من كوادر الخوذ البيضاء منهم 2500 متطوع و 300 متطوعة و 200 موظف إداري، مع تعبئة كاملة للآليات الثقيلة والمعدات اللازمة، بالإضافة إلى استئجار عدد من الآليات الثقيلة من الأسواق المحلية.
72 ساعة ذهبية في مواجهة الكارثة
رغم أن عدد الضحايا وحجم الأضرار في شمال غربي سوريا كان الأكبر على مستوى الجغرافية السورية، لم يكن هناك أي تحرك مباشر دولي أو أممي لمساعدة المنطقة المنكوبة، وواجه متطوعو الدفاع المدني السوري، والسكان في شمال غربي سوريا آثار الزلزال المدمر وتمكنوا من الاستجابة وإنقاذ الأرواح، ورغم الازدياد المتواصل في الحاجات الإنسانية في شمال غربي سوريا فقد توقف دخول المساعدات الإنسانية من معبر باب الهوى في الـ 10 من تموز بعد انتهاء التفويض الأممي، بل وأعطت الفرصة لروسيا كي تلعب بالمساعدات الإنسانية كورقة سياسية تبتز بها المجتمع الدولي في أروقة مجلس الأمن رغم وجود النص القانوني الذي يسمح بمرور المساعدات دون الحاجة لقرار من المجلس، وبدلاً من توسيع المساعدات وإدخالها دون أي عوائق لتلبية الاحتياجات المتزايدة للسكان، سيطر نظام الأسد على ورقة المساعدات عبر الحدود شريان الحياة الباقي للسوريين بعد أن تسبب في مآسيهم كلها خلال مدة الـ 12 سنة الماضية.
أعمال الدفاع خلال المراحل اللاحقة للزلزال
ومع انجلاء غبار الزلزال بَدَا جلياً أن الكارثة أكبر من أن تتحملها دول، ولكن ورغم الصعوبات والتحديات كان لابد من العمل للتخفيف عن السوريين الذين باتوا يعانون من كارثتين، إحداههما كارثة طبيعية والأخرى كارثة مستمرة بفعل النظام وروسيا وحلفائهم، وفي هذا الإطار وبعد انتهائه من المرحلة الأولى في استجابته للزلازل، والتي شملت البحث والإنقاذ والانتشال، انتقل الدفاع المدني السوري إلى المرحلة الثانية والتي تضمنت فتح الطرق بطول 800 كم ضمن 335 تجمع سكاني، و119 مخيم، وإزالة الأسقف والجدران المعرضة للانهيار للحفاظ على أرواح المدنيين وتسهيل عمليات الاستجابة للطوارئ، بحجم يتجاوز الـ 30 ألف متر مكعب ضمن 125 تجمع سكاني لحماية المدنيين من المخاطر الناتجة عن انهيار الأسقف والجدران في المباني المتضررة والمنشآت العامة والمدارس.
وساعدت فرقنا بتأسيس مراكز الإيواء المؤقتة والبنية التحتية الأساسية لها، حيث تم فرش وتسهيل طرق وأراضي ومخيمات بمساحة 887,146 متر مربع ضمن 396 تجمع سكاني، و503 مخيم.
أما المرحلة الثالثة فقد شملت رفع الأنقاض والتعافي وإعادة التأهيل، وقامت فرق الدفاع المدني السوري بإزالة أكثر من 442 ألف متر مكعب من الأنقاض ضمن 162 تجمعاً سكنياً.
دور المجتمعات المحلية والشركاء
عززت مساهمة المدنيين وسكان المناطق المتضررة من قدرة الدفاع المدني السوري على الاستجابة بشكل أفضل في ضوء التقاعس الدولي وتأخير وصول المساعدات الأممية، التي كان من المفترض أن تصل بعد الكارثة بشكل عاجل وفوري للمساعدة في إنقاذ العالقين تحت الأنقاض، ولا يمكن إغفال دور شركاء الدفاع المدني السوري من دول مانحة ومنظمات متعاونة أو شريكة في التخفيف عن السوريين وتحسين سبل الاستجابة خاصة في مراحلها المتقدمة، وكان للتحالفات دور مهم في مراحل التعافي وهذا ما أثبتته المشاريع التي تم تنفيذها ضمن شراكات الدفاع المدني السوري مع المنظمات والمؤسسات الإنسانية الأخرى، التي كان في مقدمتها التحالف العملياتي المؤلف من المنتدى السوري والجمعية الطبية السورية الأمريكية، والدفاع المدني السوري والتحالف العملياتي التنفيذي بين الدفاع المدني السوري و الأمين للمساندة الإنسانية.
دور المتطوعات
الزلزال برهن مرة أخرى الدور المهم لمتطوعات الخوذ البيضاء في الاستجابة وكانت المتطوعات جزءاً أساسياً في مراحل الاستجابة جميعها منذ اللحظة الأولى للزلال، فمن عمليات البحث والإنقاذ في أصعب الظروف إلى متابعة أوضاع المنكوبين بالزلزال مروراً بالخدمات التي يقدمنها في مراكز النساء والأسرة ولعبت متطوعات الدفاع المدني السوري دوراً حاسماً في استجابة الزلزال وتخفيف معاناة السوريين المتأثرين بهِ، حيث قدمت متطوعات الخوذ البيضاء عشرات الخدمات الطبية في شمال غربي سوريا، خلال الفترة من 6 شباط 2023 وإلى نهاية العام، واستفاد من هذهِ الخدمات أكثر من 127 ألف مدني بينهم 83 ألف امرأة و31 ألف طفل في 238 مجتمعاً.
مشاريع متعلقة بالتعافي من الزلزال :
نفذ الدفاع المدني السوري مشاريع بنى تحتية نوعية في إطار خطة عمل لتخفيف معاناة المدنيين وتسهيل تأمين أماكن الإيواء للمتضررين من الزلزال ضمن إطار عمليات التعافي وإنعاش المجتمعات المتضررة، من خلال التعاون والتنسيق مع المنظمات والجهات العاملة في شمال غربي سوريا.
إعادة تأهيل الطرق:
- إعادة تأهيل و تزفيت طرق في بلدة سرمدا (طريق سرمدا العمود وتفرعاته) بطول إجمالي 5050 متراً.
- إعادة تأهيل و وتزفيت طرق في عفرين (طريق عفرين-كفرجنة بطول 9500 متر وطريق جسرعفرين الثالث بطول 1650 متراً) والذي قام به الدفاع المدني السوري عبر التحالف العملياتي المشكل من (المنتدى السوري، الدفاع المدني السوري، الجمعية الطبية السورية الأمريكية).
- فرش طريق عين البيضا القندريّة في جرابلس بمحافظة حلب بطول 8500 متر.
- إعادة تأهيل مدخل مدينة إدلب الغربي بطول 1400 متر، حيث شمل المشروع الرصف والدهان وتنسيق الحدائق والإضاءة، بهدف تنظيم حركة المرور والحد من مخالفات السير والحوادث المرورية، وتوفير مظهر جمالي.
- إعادة تأهيل طريق مدخل مشفى مدينة اعزاز الوطني بطول 140 متر.
- إعادة تأهيل شارع السوق في جسر الشغور بطول 235 متراً، شمل ذلك صيانة مصارف مياه الأمطار وتنظيف قنوات تصريف مياه الأمطار، وتركيب بلاط إنترلوك ملون وغرس الأشجار وتركيب أعمدة إنارة شمسية.
- إعادة تأهيل و وتزفيت طريق (سرمدا - كفر دريان) بطول إجمالي 3310 متر، بالتعاون مع مؤسسة الشام الإنسانية.
المساهمة في عمليات دعم المجتمعات والعملية التعليمية:
- البدء بمشروع إعادة بناء مدرسة خالد بن الوليد في جنديرس والتي تستوعب 4 آلاف طالب.
- إعادة تأهيل مدرسة في مارع.
- إعادة تأهيل كلية التربية في عفرين المتضررة من الزلزال.
- إعادة تأهيل كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية في مدينة الباب
- أعمال إعادة تأهيل ضمن جامعة حلب الحرة.
- إنشاء وتجهيز مركز تمكين مجتمعي في جسر الشغور.
- إعادة تأهيل 44 مركزاً من مراكز الدفاع المدني السوري.
- أعمال تأهيل دور عبادة، بناء جامع الملند.
قطاع المياه والصرف الصحي:
- إعادة تأهيل شبكة مياه الشرب بطول نحو 50 كم متراً وشبكات الصرف الصحي بطول أكثر من 80 كم متراً في كفركرمين - الكمونة في ريف حلب الريف الغربي، والتي تلبي احتياجات حوالي 7000 مأوى كريم للمنكوبين من الزلزال بُنيت على مساحة 200,000 متر مربع.
- إعادة تأهيل شبكات الصرف الصحي بطول 2,100 متر في مجتمع حوار النهر.
- إعادة تأهيل شبكات الصرف الصحي بطول 3,050 متراً في مجتمع بابكة.
- إعادة تأهيل شبكات الصرف الصحي بطول 1,650 متراً في مجتمع البردقلي.
- إعادة تأهيل شبكات الصرف الصحي بطول 500 متر في مجتمع بنش.
مشاريع قيد التخطيط والتجهيز
- مشروع قرية سامز الطبية، وذلك عبر التحالف العملياتي مع الجمعية الطبية السورية الأمريكية، والمنتدى السوري
- مشروع لبناء مركز لمعالجة الأورام وذلك عبر التحالف العملياتي التنفيذي مع مؤسسة الامين للمساندة الإنسانية.
- مشروع ترميم مدارس متضررة بالزلزال.
- مشروع ترميم وإعادة تأهيل مرافق طبية متضررة بالزلزال.
ولم تكن هذه المشاريع تهدف إلى إعادة بناء مرافق أساسية وإعادة تأهيل طرقات وشبكات مياه وصرف صحي فحسب، بل كانت تهدف أيضاً إلى تأمين الاستقرار للسكان وكان هذا الانتقال من الاستجابة الطارئة إلى التخطيط طويل الأجل، ورغم أن المؤسسة كانت تعمل خلال السنوات السابقة على مشاريع خدمية لدعم الصمود المجتمعي والتعافي المبكر للمجتمعات، لكن الاختلاف بعد الزلزال كان كماً ونوعاً بهذه المشاريع والأعمال.
مراكز الإيواء المؤقتة
انتهج النظام وروسيا سياسة التهجير القسري للسوريين خلال السنوات الـ 12 سنة التي سبقت الزلزال، الأمر الذي ترك نحو من مليوني سوري يعيشون في مخيمات تغيب عنها أدنى مقومات الحياة، ثم جاء الزلزال ليترك 40 ألف عائلة أخرى دون مأوى، ليتخذوا من مراكز إيواء بنيت على عجل مسكناً لهم، منها ما بٌني إلى جانب أنقاض منازل الناجين و المنكوبين من الزلزال، وهو ما جعلهم مثلهم مثل أكثر من مليوني مهجّر عرضة لظروف قاسية.
وخلال عام من الزلزال، تعاقب الصيف والشتاء، الحر والبرد على مراكز إيواء منكوبي الزلزال، فغمرتها مياه السيول واقتلعت رياح العواصف خيمها، وضربها الحر، وحاصرتها الحرائق، التي سلبت أرواحاً لناجين من الزلزال، والتهمت خيامهم.
وساعدت فرقنا بتأسيس مراكز الإيواء المؤقتة والبنية التحتية الأساسية لها، حيث تم فرش وتسهيل طرق وأراضي ومخيمات بمساحة 887,146 متر مربع ضمن 396 تجمع سكاني، و503 مخيم.
ويعاني المنكوبين من كارثة الزلزال من فقدان لسبل العيش وغياب مقومات الحياة في مراكز الإيواء وتهديدات انتشار الأمراض وتسرب الأطفال من التعليم.
الهجمات المستمرة
وبينما كان السوريون يحاولون التعافي من أثار الكارثة الثانية والمتمثلة بزلزال شباط المدمر كان الكارثة الأولى متمثلة بحرب نظام الأسد وروسيا والميليشيات الموالية لهم مستمرة، ولم تتوقف آلة الحرب عن سلب أرواح السوريين حيث وثقت فرقنا 1,322 اعتداءً عسكرياً ضمن 189 تجمع سكاني خلال عام 2023، حيث ازدادت وتيرة الاعتداءات العسكرية اعتباراً من شهر آب، كما شهد شهري أيلول وتشرين الأول العدد الأكبر من الاعتداءات، كان نظام الأسد مسؤولاً عن أكثر من 84 % من الاعتداءات، كما كانت القوات الروسية مسؤولة عن 6 % من الاعتداءات، كما كان مصدر 4 % من الاعتداءات مناطق خاضعة لسيطرة النظام السوري وقوات سوريا الديمقراطية، إضافة لعدد من الهجمات مجهولة المصدر.
استهدفت الاعتداءات مختلف المرافق المدنية بغية إيقاع العدد الأكبر من القتلى والجرحى في صفوف المدنيين، حيث طالت النسبة الأكبر من الاعتداءات (53%) الحقول الزراعية، تلتها منازل المدنيين (32%) ثم الطرق (5%)، كما طالت الاعتداءات كذلك المدارس، والمخيمات، والمباني العامة، والأسواق، والمشافي، والمساجد.
انتشل متطوعو الخوذ البيضاء خلال استجابتهم للاعتداءات العسكرية خلال عام 2023 جثامين 173 قتيلاً، من بينهم 24 امرأة و51 طفل، كما أنقذوا 720 مصاباً، من ضمنهم 97 امرأة و233 طفلاً، عانى المتطوعون أثناء عملهم من صعوبات كبيرة في الحركة بسبب رصد الأماكن المستهدفة بطيران الاستطلاع، والخشية من تجدد القصف أو الغارات المزدوجة خصوصاً في حال وجود مصابين تحت الأنقاض، علماً أن المتدربين تلقوا تدريبات خاصة حول آليات التعامل الخاصة مع المصابين، خصوصا النساء والأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة.
واستهدفت قوات النظام السوري خلال حملتها العسكرية في شهر تشرين الأول أربعة من مراكز الدفاع المدني السوري، إذ استهدفت مركز اً في أريحا بتاريخ 5 تشرين الأول، ومركزين في دارة عزة ومدينة ادلب ومركز النساء والأسرة في بلدة سرمين بتاريخ 8 تشرين الأول، دون وقوع إصابات بين المتطوعين.
استهدف قوات النظام أحد فرق الإنقاذ في الدفاع المدني السوري أثناء الاستجابة لقصف مدفعي، مما أدى لاستشهاد قائد الفريق عبد الباسط عبد الخالق وتدمير البيك آب بالكامل بتاريخ 11 تموز، كما أصيب 3 متطوعين بالهجمات في شهر تشرين الأول.
الأعمال الموازية (إطفاء، استجابة لكوارث طبيعية، مخلفات حرب ..)
وبموازاة الأعمال التي قامت بها الخوذ البيضاء استجابة لزلزال الـ 6 شباط، استمر المتطوعون في العمل ضمن محاور المؤسسة الرئيسية الأخرى من خدمات الإسعاف، واستجابة للحرائق بكافة أنواعها و الكوارث الطبيعية وإزالة مخلفات الحرب، وحوادث السير، إضافة إلى أعمال التوعية، وسجلت الخوذ البيضاء بعد الـ 6 شباط 2023 وإلى نهاية العام الماضي تقديم أكثر من 83 ألف خدمة إسعاف استفاد منها من 131 ألف مدني، كما شهدت الفترة نفسها إقامة أكثر من 4350 جلسة توعية استفاد منها 84 ألف مدني، وأكثر من 6200 عملية متعلقة بإزالة مخلفات الحرب تم فيها إزالة أكثر من 930 ذخيرة غير منفجرة، وأيضاً استجابة فرق الخوذ البيضاء لأكثر من 2600 حريقاً راح ضحيتها 19 مدنياً بينهم 13 طفلاً و 3 نساء.
كما نفذت فرق الخوذ البيضاء الآلاف من العمليات الخدمية التي تهدف لتعزيز الصمود المجتمعي المحلي في مئات التجمعات السكنية، والمدن، والبلدات، والقرى، والمخيمات في شمال غربي سوريا، وتنوعت تلك الخدمات من غسيل المدارس والشوارع والحدائق والمنشآت العامة وعمليات حفر جور فنية وأساسات وحفر صيانة كهرباء، وعمليات ردم حُفر آبار مهجورة لتجنب حوادث السقوط، وحفر خط صرف صحي. كما نفذ المتطوعون أعمال تنسيق وتجميل مداخل ومخارج المدن وزرع الأشجار وسقايتها.
تطور قدرة الدفاع المدني السوري منذ الزلزال
لعبت خبرة فرق الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء)، التي اكتسبتها خلال نحو عقد من الاستجابة للقصف والغارات الجوية التي كان النظام وروسيا يشنها على المدن والبلدات السورية، دوراً مهماً في استجابة أكثر فعّالية خلال الزلزال رغم قلة الإمكانيات وكثرة الصعوبات، كمان إن اتساع الرقعة الجغرافية التي تطلبت الاستجابة، وضعف البنية التحتية جراء الحرب عقّدَ من المهمة لكن لم تجعلها مستحيلة.
أما في الفترة التي أعقبت الزلزال، فقد أخذت استجابة الخوذ البيضاء شكلاً أخر من خلال المشاريع والمشاريع الخدمية وجلسات التوعية وتدريب فرق رديفة من المتطوعين فأصبحت الاستجابة استباقية، كما أظهر الزلزال أهمية التنسيق والتعاون مع المجالس والمجتمعات المحلية، من ناحية أخرى فرض مفهوم إدارة الكارثة/الأزمة نفسه كأحد المكتسبات المعرفية الهامة لكارثة الزلزال.
الصحة النفسية
أطلق الدفاع المدني السوري في شهر آب مشروع الدعم النفسي، سعياً للوصول لمجتمع متعافٍ نفسياً بعد سنوات الحرب وكارثة الزلزال التي تركت أثراً نفسياً وصدمات على مختلف الفئات، ومن خلال برامج المشروع الذي يستهدف الأطفال من خلال معرفة هواياتهم ومواطن القوة والضعف عندهم، وتمكينهم من التعامل مع الآخرين وتكوين العلاقات، والسيدات بجلسات تعزز مفاهيم الطفولة المبكرة، ومجالات النمو الحسية والجسدية والنفسية ورعاية التنشئة، والأمهات من خلال تدريب المهارات الوالدية لتعزيز العلاقات بين الأبناء ووالديهم ويزيد الفرص للأبناء بقدرتهم على التوجه السليم نحو أهدافهم.
استفاد 20,822 شخص، من بينهم 10,231 امرأة و10,528 طفل من جلسات الدعم النفسي، من خلال جلسات فردية وجماعية شملت التعامل مع التوتر، والمهارات الوالدية، والطفولة المبكرة، والأنشطة الترفيهية، والعنف القائم على النوع الاجتماعي.
تعزيز المشاركة المجتمعية في الاستجابة للكوارث
أطلق الدفاع المدني السوري مبادرة حيوية لتعزيز المشاركة المجتمعية في الاستجابة للكوارث من خلال تقديم دورات تدريبية تهدف إلى بناء قدرات الاستجابة للكوارث بين السكان في شمال غربي سوريا.
وكان للمشاركة المجتمعية من قبل السكان خلال كارثة الزلزال المدمر في 6 شباط، دور كبير في سرعة الاستجابة وتخطي الكثير من العقبات، وسيكون لبناء قدرات السكان المحليين دور كبير في تعزيز قدرات الاستجابة والمساهمة بشكل فعال في إنقاذ الأرواح، وتم تدريب أكثر من 2800 شاب وشابة على مبادئ إدارة الكوارث والإخلاء والإطفاء والإسعافات الأولية والبحث والإنقاذ والسلامة والوعي بخطر مخلفات الحرب.
تعد المشاركة المجتمعية إحدى العوامل الرئيسية التي تساهم في نجاح المجتمعات في تخطي الكوارث والأزمات، وتسهم في الحفاظ على استمرارية الحياة عن طريق تخطيط وإدارة وتنفيذ الخطط والاستراتيجيات التي تهدف إلى التعامل مع الكوارث والأزمات وآثارها السلبية المدمرة على المستوى الصحي والاقتصادي والنفسي والاجتماعي، وتأتي المشاركة المجتمعية الفعالة نتيجة لتكاتف المجتمع والعمل لهدف واحد وهو احتواء الأزمة وتخطيها والنجاة منها وتجاوز آثارها المدمرة المادية والمعنوية.
الأثر الطويل للزلزال
عمق الزلزال من معاناة السوريين وضاعف من الكارثة الإنسانية في شمال غربي سوريا، والحدث الذي استمر لثوانٍ خلف أثاراً ستستمر لسنوات، خاصة مع استمرار حرب النظام وروسيا، فما دُمِّرَ لن يُبنى وصواريخ النظام وروسيا تلاحق السوريين، والبناء لا يمكن في منطقة تعاني ويلات حرب طويلة ويتم ابتزاز أهلها بقوت يومهم، وهذا علاوة على سلب الزلزال لألاف الأرواح التي لن تُمحى ذكراها، وسلبت من عشرات الألاف مأواهم الأخير وسيل عيشهم في ظل غياب الأفق الذي يعيدهم ويعيد المهجرين لمنازلهم ويعوضهم بما فقدوا.
عام على الزلزال، لم يكن مجرد انتقال بين تاريخين على التقويم بالنسبة للسوريين، بل عام أثقلت فيه كاهل السوريين كارثتان، حيث جاءت كارثة الزلزال فوق كارثة حرب النظام وروسيا وحلفائهم، لتزيد الأوضاع تعقيداً وصعوبة، وبالرغم من أنه كان عاماً مليئاً بالتحديات والصعوبات، لكن لم تغب فيه رغبة الحياة والأمل بالعدالة، والأماني بعودة السوريين إلى بيوتهم ومنازلهم وإعمار ما دمره الزلزال والحرب.