مخلفات الحرب … إرث قاتل وموت موقوت يتربص بالسوريين

في اليوم الدولي للتوعية بالألغام تؤكد فرقنا التزامها في رفع مستوى الوعي بالمخاطر المرتبطة بالألغام والذخائر غير المنفجرة وتعزيز مجتمعات أكثر أماناً

يعيش ملايين المدنيين في سوريا في مناطق موبوءة بالألغام والذخائر غير المنفجرة نتيجة سنوات من قصف النظام وروسيا الذي ما زال مستمراً، ومخلفات المعارك، إذ لا يقتصر خطر المعارك والقصف على الأثر المباشر واللحظي الذي ينجم عنها وما يرافقه من قتل وجرح للمدنيين وتدمير للبنية التحتية، بل إن خطرها يمتد ويبقى لأمد طويل، فأي قذيفة أو صاروخ لم ينفجر، أو لغم، سيكون بمثابة قنبلة موقوتة قد تنفجر بأية لحظة وتسبب كارثة إن لم يتم التعامل معها قبل فوات الأوان.

وتشكل مخلفات الحرب هذه (الألغام والذخائر غير المنفجرة) تهديداً كبيراً على حياة السكان، وموتاً موقوتاً طويل الأمد، وتؤثر بشكل مباشر على استقرار المدنيين والتعليم والزراعة وعلى حياة الأجيال القادمة وخاصة الأطفال لجهلهم بماهية هذه الذخائر وأشكالها وخطرها على حياتهم، وتتعامل فرقنا مع هذا الواقع لإزالة مخلفات الحرب وتوعية المدنيين بخطرها وتمكنت منذ بداية عمل فرق uxo من إزالة أكثر من 24 ألف ذخيرة من مخلفات الحرب منها نحو 22 ألف قنبلة عنقودية.

بعض أنواع مخلفات الحرب تكون على سطح الأرض ، بينما توجد أنواعٌ أخرى منها كقنابل الطائرات مدفونة تحت سطح الأرض بعدة أمتار مما يجعل من إزالتها أمرًا صعبًا، الذخائر غير المنفجرة مختلفةٌ في آليتها عن الألغام، إذ إنّ الألغام زرعت بغرض التسبب بإصاباتٍ، بينما تكون الذخائر غير المنفجرة عبارةً عن أدواتٍ فشلت في أداء عملها، فقد لا تنفجر أبدًا أو قد تنفجر بأي لحظة ولا يمكن تحديد مدى تأثيرها وخطرها على ما حولها، وطوال السنوات الماضية وثقت فرق الذخائر في الدفاع المدني السوري استخدام نظام الأسد وروسيا أكثر من 60 نوعاً من الذخائر المتنوعة في قتل المدنيين منها 11 نوعاً من القنابل العنقودية المحرمة دولياً

أماكن انتشار مخلفات الحرب

تنتشر مخلفات الحرب في عموم مناطق سوريا التي باتت ساحة حرب لتجريب واختبار الأسلحة الروسية، فحجم الترسانة العسكرية الهائل التي تم قصف المدنيين فيها، كبير جداً وانتشرت مخلفات الحرب في المدن والقرى وفي الأحياء السكنية وفي الأراضي الزراعية، ولا يقتصر خطر مخلفات الحرب بما تخلفه من ضحايا فقط، فلها آثار أخرى إذ تمنع المزارعين من الوصول إلى أراضيهم وتشكل خطر على حياتهم ، وتمنع الصناعيين من العمل في بعض الورشات التي طالها القصف، كما تؤثر تلك المخلفات على عودة السكان لمنازلهم ولاسيما في المناطق التي تعرضت للقصف بشكل مكثف.

وتنتشر مخلفات الحرب بشكل كبير في جميع أنحاء شمال غربي سوريا، وتكثر في منطقة سهل الغاب وقرب مدينة جسر الشغور والمناطق الشرقية لمدينة إدلب (سرمين - بنش - تفتناز) وجنوب إدلب في جبل الزاوية، وريف حلب الغربي، ومنطقة الباب وعفرين في ريف حلب.

القنابل العنقودية مخلفات الحرب الأخطر

جميع الذخائر غير المنفجرة بمختلف أنواعها خطرة، ولا تختلف نسبة الخطورة بين نوع أو آخر، لكن القنابل العنقودية بسبب استخدامها المكثف من قبل النظام وروسيا، وانخفاض نسبة انفجارها الفورية بعد وصولها إلى الأرض مقارنة بباقي أنواع الذخائر الأخرى وانتشارها الواسع بسبب طبيعة انفجار الحواضن التي تلقيها الطائرات أو التي تحملها الصواريخ، يمكننا القول أنها شكلت الخطر الأكبر.

لا تستهدف الذخائر العنقودية هدفا محدداً، فهي تنتشر بشكل عشوائي في مناطق واسعة، وقد تصل نسبة القنابل التي لا تنفجر مباشرة بعد ارتطامها بالأرض لنحو 40% بحسب الأمم المتحدة، ما يؤدي إلى نتائج مدمرة لأي شخص يصادفها لاحقاً، فرق الدفاع المدني السوري وثقت استخدام نظام الأسد وروسيا لأكثر من 11 نوعاً من القنابل العنقودية (جميعها صناعة روسية).

تشكل القنابل العنقودية تهديداً كبيراً على حياة المدنيين في شمال غربي سوريا، نظراً لعدم إمكانية حصر النطاق المكاني الملوث بهذه القنابل واستخدامها المتواصل من قوات النظام وروسيا في هجماتهم ضد المدنيين.

عواقب مخلفات الحرب على الأفراد والمجتمعات:

تؤدي الألغام ومخلفات الحرب غير المنفجرة حرمان مجموعات سكانية بأكملها من المياه والأراضي الزراعية والرعاية الصحية والتعليم، كما تعيق أعمال الإغاثة وقد تحرم السكان من المساعدات الإنسانية بسبب المخاطر:

  • عواقب على الأرواح: يمكن أن تنفجر مخلفات الحرب بشكل غير متوقع وتتسبب بأذى جسدي وحالات بتر أو وفاة، الأطفال معرضون للخطر بشكل خاص لجهلهم خطرها، ولعبهم وتنقلهم في أماكن خطرة وموبوءة بمخلفات الحرب.

تعد الإصابات الناجمة عن مخلفات الحرب كارثية لتسببها بإعاقات دائمة على الأغلب، إذ يؤدي انفجارها إلى الإصابة بجروحٍ شديدةٍ قد ينجم عنها تمزقٌ في الأعضاء الداخلية وتضررٌ في الأجزاء الحيوية للجسم، أو بترٌ في الأطراف أو فقدان حاستَي السمع والبصر كذلك الأمر.

  • منع النازحين من العودة لمنازلهم: وتعتبر مخلفات الحرب واحدة من أكبر عوائق عودة النازحين لمنازلهم وخاصة في المناطق التي كانت نقاط تماس أو تعرضت للقصف.
  • عواقب على المزارعين: يمكن أن تحد مخلفات الحرب من الوصول إلى الأراضي، ما يجعل من الصعب على المجتمعات الوصول إلى الموارد مثل المياه والغذاء.
  • الأثر الاقتصادي: يمكن أن تتسبب مخلفات الحرب تقييد للأنشطة الصناعية والأنشطة الإنتاجية ما ينعكس سلباً على النمو الاقتصادي والتنمية وخاصة في المجتمعات الهشة كما في شمال غربي سوريا، وينعكس ذلك سلباً على معدلات الفقر والبطالة وبالتالي تفاقم التحديات التي تواجهها المجتمعات.
  • الصدمات النفسية: إن مخلفات الحرب يمكن أن تخلق حالة من الخوف والقلق لدى الأفراد والمجتمعات، مما يؤدي إلى صدمات نفسية أو حتى مشاكل مثل القلق والاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة، وخاصة في المناطق التي سقط فيها ضحايا جراء هذه المخلفات، بالإضافة للأثر النفسي المباشر على الأشخاص الذين يتعرضون للإصابة بأحد هذه المخلفات (الشعور بالعجز والتغير في نمط الحياة ونظرة المجتمع لهم في حال حصول إعاقة دائمة).
  • الضرر البيئي: يمكن أن تضر المتفجرات من مخلفات الحرب بالبيئة وتلوث التربة ومصادر المياه بمواد خطرة، والجفاف بسبب صعوبة الوصول للأراضي الزراعية وزراعتها وحرمان الأراضي المروية من مياه الري نتيجة صعوبة الوصول لمصادر المياه اللازمة للزراعة وانعكاس ذلك كأثر طويل الأمد على النظام البيئي.

جهود الدفاع المدني السوري لإزالة الذخائر غير المنفجرة

تقوم فرق متخصصة في الدفاع المدني السوري وعددها ستة مراكز موزعة في شمال غربي سوريا في التعامل مع أنواع محددة من مخلفات الحرب، وهي أحد أخطر الخدمات وأصعبها، وتضم عدة نشاطات مختلفة منها المسح غير التقني لتحديد المناطق الملوثة وعمليات التوعية، وعمليات التخلص بشكل نهائي من الذخائر، و بدأت فرق الذخائر غير المنفجرة (UXO) العمل على إزالة مخلفات الحرب عام 2016 لمواجهة هذا التحدي الذي يهدد حياة آلاف المدنيين.

وتقوم فرق (UXO) المتخصصة بمسح وإزالة الذخائر غير المنفجرة في الخوذ البيضاء بثلاثة أنشطة رئيسية، ولا بد من التنويه إلى أن فرقنا لا تقوم بإزالة الألغام وينحصر عملها فقط بإزالة الذخائر غير المنفجرة من مخلفات القصف.

1ـ المسح غير التقني: وعدد الفرق العاملة في هذا النشاط 6 فرق وتقوم بمهامها بمسح القرى والمجتمعات على مرحلتين:

أ ـ عبر المسح غير التقني وجمع الاستبيانات من المجتمع المحلي بمختلف أطيافه للوصول للمناطق الملوثة.

يمثل جمع وتحليل البيانات المتعلقة بالمناطق الملوثة بالسلاح وضحاياها الأساس الذي يستند إليه كل تخطيط، وتقوم الفرق المختصة بعمليات المسح غير التقني بجمع البيانات وتحليلها، فهي تستخدم النتائج التي حصلت عليها خلال المسح غير التقني لتحديد المناطق الخطرة والأشخاص الأكثر عرضة للخطر للتخطيط لعمليات المسح الأولي والتطهير والحد من المخاطر وأنشطة التوعية بالمخاطر ووضع الأولويات الخاصة بذلك.

ب ـ تحديد المناطق الملوثة ورسم الخرائط اللازمة وإرسالها لفرق الإزالة التي تقوم بعملية البحث التقني لاحتمالية وجود الذخائر في المنطقة المستهدفة والتخلص النهائي من الذخائر كل ذخيرة على حدى وبدون أن يتم نقلها أو تحريكها.

2ـ الإزالة (التخلص النهائي): وعدد الفرق العاملة في هذا النشاط 6 فرق أيضاً، فبعد الوصول للمنطقة الملوثة والمحددة من قبل فريق المسح تجري عملية بحث بصري وبمساعدة الأجهزة في المكان الملوث بشكل دقيق وتتم عملية إتلاف الذخائر (كل ذخيرة على حدى) بحرفية عالية ومهنية من قبل الفرق التي تحرص على إتلافها بشكل كامل.

يبلغ عدد فرق الإزالة 6 فرق متوزعة في شمال غربي سوريا قامت حتى الآن بالتخلص من أكثر من 24 ألف ذخيرة متنوعة من بينها نحو 22 ألف قنبلة عنقودية ضمن ظروف عمل صعبة للغاية في كثير من الأحيان كلفت 4 شهداء من الدفاع المدني السوري.

3ـ التوعية: وتعتبر عملية التوعية من أهم إجراءات مواجهة خطر الذخائر غير المنفجرة، وتقوم فرق (UXO) المتخصصة بمسح وإزالة الذخائر غير المنفجرة في الخوذ البيضاء بإقامة جلسات توعية من مخاطر الألغام والذخائر غير المنفجرة للمدنيين لزيادة الوعي المجتمعي من خطر هذه الذخائر، وركزت على خطر الذخائر غير المنفجرة وضرورة الابتعاد عن الأجسام الغريبة، وأهمية إبلاغ فرق الدفاع المدني السوري المختصة عنها فوراً.

وأجرت فرق إزالة الذخائر غير المنفجرة في الدفاع المدني السوري خلال عام 2022 نحو 1300 عملية مسح غير تقني في أكثر من 413 منطقة ملوثة بالذخائر، وأزالت نحو 1000 ذخيرة متنوعة من بينها 442 قنبلة عنقودية، في 915 عملية إزالة، وقدمت الفرق جلسات توعية من مخاطر الألغام ومخلفات الحرب استفاد منها 52 ألف مدني أغلبهم أطفال ومزارعون.

وقامت خلال عام 2021 بأكثر 2132 عملية ميدانية، منها 608 عمليات إزالة، تم فيها التخلص من 683 ذخيرة متنوعة، كما قامت فرق المسح بإجراء مسح لـ 613 قرية، تم فيها تحديد 408 منطقة ملوثة، فيما قدمت الفرق 1107 جلسة توعوية حضرها أكثر من 13 ألف شخص، أكثر من 90 % بالمئة منهم أطفال.

التوعية مهمة أساسية للحفاظ على الأرواح

إن زيادة الوعي بمخاطر الألغام ومخلفات الحرب أمر بالغ الأهمية، وتساهم حملات التوعية بتزويد السكان بالمعرفة والمهارات اللازمة لتجنبها، وتشمل تثقيف السكان حول كيفية التعرف على الألغام وغيرها من الذخائر غير المنفجرة، فضلاً عن توفير التدريب على كيفية البقاء بأمان في المناطق التي قد تكون ملوثة، ويساعد رفع مستوى الوعي بالمخاطر المرتبطة بالألغام والذخائر غير المنفجرة في تقليل مخاطر الإصابة والوفاة وتعزيز مجتمعات أكثر أماناً، وتأمين الحماية لها وخاصة الأطفال.

وتهدف التوعية لزيادة الوعي في حالات الطوارئ، وتغيير السلوك على المدى الأطول، إضافة لإعطاء المجتمعات المحلية دور مهم في تعلم حماية أنفسهم والإبلاغ على وجود مخلفات الحرب، وتعتمد فرق التوعية على الملصقات والجلسات الفيزيائية المباشرة بالاعتماد على نهج التواصل مع المجتمع المحلي وهو الأكثر فعالية، لأن متطوعي الدفاع المدني السوري هم أفراد ينتمون إلى مجتمعاتهم المحلية وبالتالي يكون تواصلهم عالي الأثر .

ضحايا مخلفات الحرب

في عام 2022 كانت مخلفات الحرب واحدة من أكثر أسباب سقوط الضحايا المدنيين في شمال غربي سوريا ووثق الدفاع المدني السوري 32 انفجاراً لمخلفات الحرب أدت لمقتل 29 شخصاً بينهم 13 طفلاً وإصابة 31 آخرين بينهم 22 طفلاً، وامرأة، واستجابت فرقنا لأغلب هذه الانفجارات الناجمة عن مخلفات الحرب.

وفي عام 2021، استجابت فرقنا لـ 32 انفجار، أدت لمقتل 18 شخصاً بينهم 5 أطفال، وإصابة 32 آخرين بينهم 11 طفلاً.

واستجابت فرق الدفاع المدني السوري خلال عام 2020 لأكثر من 60 انفجار لمخلفات الحرب في شمال غربي سوريا أدت لمقتل، 32 شخصاً بينهم 6 أطفال و4 نساء وإصابة 65 آخرين بينهم 7 أطفال و 13 امرأة.

أعمال مضاعفة نتيجة استمرار الهجمات

واصلت قوات النظام وروسيا هجماتها على شمالي غربي سوريا مستخدمة أسلحة متنوعة بما فيها العنقودية، حيث استجابت فرقنا خلال العام الماضي لـ 5 هجمات باسلحة عنقودية محرمة دولياً، وأدت هذه الهجمات لتلوث مكاني واسع في ريف إدلب الغربي في منطقة زراعية ويوجد فيها عدد من المخيمات، ما يزيد من خطر القنابل العنقودية التي لم تنفجر، وكثفت فرقنا العمل لتأمين المنطقة حماية الأرواح.

وبعد الزلزال المدمر شاركت الفرق في عمليات مسح وتأمين المناطق التي اقيمت فيها مخيمات الإيواء وخاصة أن جزءاً كبير من تلك المخيمات تم انشاؤها في مناطق زراعية، وأخرى جبلية نائية، وعثرت فعلاً فرقنا على عددً من الذخائر غير المنفجرة من مخلفات القصف في تلك المناطق.

متطوعات الخوذ البيضاء يشاركن في حماية الأرواح

انضمت متطوعات في الخوذ البيضاء للمرة الأولى في شمال غربي سوريا، إلى فرق المسح غير التقني منتصف العام الماضي، بعد أن تلقينَّ التدريبات اللازمة والمهارات للبدء في مهمة جديدة يؤدينها في معركتهن للحفاظ على المجتمعات ولإنقاذ الحياة، لتثبت المرأة السورية في كل لحظة أنها بالخطوط الأمامية، في السلم وفي الحرب، وكانت رائدة في التعليم والقيادة وبناء الأجيال، واليوم هي رائدة في حماية المجتمعات وإنقاذ الأرواح.

الانضمام للحملة الدولية لحظر الألغام الأرضية _ تحالف الذخائر العنقودية

انضم الدفاع المدني السوري العام الماضي (2022) بشكل رسمي إلى الحملة الدولية لحظر الألغام الأرضية _ تحالف الذخائر العنقودية (ICBL-CMC) وذلك في إطار الجهود التي يبذلها من خلال عمله في إزالة مخلفات الحرب في سوريا ولتسليط الضوء على الإرث الثقيل طويل الأمد الذي تركته مخلفات الحرب على السوريين وضرورة مكافحة هذه المخلفات وحماية المدنيين من أثرها القاتل.

والحملة الدولية لحظر الألغام الأرضية _ تحالف الذخائر العنقودية (ICBL-CMC) عبارة عن شبكة عالمية من المنظمات غير الحكومية الوطنية والدولية والتي تضم خبرات متعددة في مجالات حقوق الإنسان والتنمية واللاجئين والإغاثة الطبية والإنسانية، والأفراد الذين يعملون في أكثر من 100 دولة لتعزيز الانضمام إلى المعاهدات التي تحظر الألغام الأرضية والذخائر العنقودية وتنفيذها.

وتعمل الحملة (ICBL-CMC) من أجل عالم خالٍ من الألغام الأرضية والذخائر العنقودية والمتفجرات الأخرى من مخلفات الحرب، عالم لا يوجد فيه ضحايا جدد ويتم فيه تلبية احتياجات المجتمعات المتضررة والناجين وضمان حقوق الإنسان الخاصة بهم.

ويدعم عمل الحملة بحثياً، مرصد الألغام الأرضية والذخائر العنقودية، الذي يقدم أحدث المعلومات وأكثرها شمولاً حول الذخائر العنقودية والألغام في العالم ومدى التزام الدول باتفاقية حظر الألغام واتفاقية حظر استخدام الذخائر العنقودية، إضافة إلى تقييم استجابة المجتمع الدولي للمشاكل التي تسببها الألغام الأرضية والذخائر العنقودية والمتفجرات من مخلفات الحرب، وذلك عبر تقارير سنوية حيادية ومستقلة يصدرها المرصد يستعرض فيها الخطوات التي قامت بها الدول المصادِقة على اتفاقية حظر الألغام واتفاقية حظر الذخائر العنقودية، وكذلك الدول التي ما زالت تستخدم الألغام والذخائر العنقودية، إضافة لاحصاءات بعدد الضحايا وتوزعهم في دول العالم.

وساهم الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) خلال السنوات السابقة في التقارير السنوية للمرصد، من خلال توفير البيانات عن سوريا والمتعلقة بعمليات المسح غير التقني وتحديد المناطق الملوثة بالذخائر العنقودية وعمليات التخلص النهائي منها.

وشارك الدفاع المدني السوري في الاجتماع العاشر للدول الأطراف في اتفاقية الذخائر العنقودية لعام 2008، والذي عقد في مقر الأمم المتحدة في جنيف خلال الأيام من 30 آب حتى 2 أيلول من العام الحالي، وخلال المؤتمر تم مناقشة تقرير مرصد الذخائر العنقودية لعام 2022.

وأكد التقرير(الذي ساهم فيه الدفاع المدني السوري من تقديم بيانات عن شمال غربي سوريا) أنه في عام 2021، سجلت سوريا أكبر عدد من الضحايا من مخلفات الذخائر العنقودية المسجلة في أي بلد بالعالم، حيث بلغ عدد ضحايا الذخائر العنقودية 37 ضحية، بانخفاض عن عام 2020 والبالغ عدد الضحايا فيه 147 من مخلفات الذخائر العنقودية، وهو أدنى عدد ضحايا بمخلفات الذخائر العنقودية تم تسجيله منذ عام 2012، وشكل الأطفال ثلثي ضحايا الذخائر العنقودية في عام 2021.

صعوبات وتحديات

هناك جملة من الصعوبات وخاصة أن إزالة مخلفات الحرب هي المهمة الأخطر في العالم والخطأ الأول سيكون الأخير، وفقد الدفاع المدني السوري منذ البدء العمل بإزالة مخلفات الحرب أرواح 4 متطوعين وأصيب آخرون، وتبقى المعوقات الأمنية من أبرز المخاطر أيضاً، لوجود أعداد كبيرة من مخلفات الحرب والذخائر غير المنفجرة بمناطق قريبة من خطوط التماس مع قوات النظام وروسيا وأحياناً يتم استهداف الفرق ما يشكل عائقاً كبيراً على عملها، وخاصة أن قوات النظام وروسيا تتبع سياسة ممنهجة باستهداف العمال الإنسانيين.

ويوجد معوقات لوجستية تتعلق بعدم توفر المعدات المتطورة، فيما تحتاج كوادر فرق الإزالة (uxo) لتدريبات متقدمة لأن التدريبات التي خضعت لها غير كافية للتعامل مع جميع أنواع الذخائر ومخلفات الحرب ويبقى التعامل محدود مع عدد من المخلفات وتسعى الفرق لكسب المزيد من الخبرات للتعامل مع جميع أنواع الذخائر ومخلفات الحرب.

كما أن كثرة الذخائر غير المنفجرة من مخلفات القصف وخاصة القنابل العنقودية والتي وثقنا استخدام روسيا والنظام لـ 11 نوعاً منها تصعب المهمة بشكل كبير، إضافة لاستمرار قصف قوات النظام وروسيا والذي يؤدي لتلوث مناطق تم تأمينها.

الألغام والقنابل العنقودية ومخلفات الحرب القابلة للانفجار في القانون الدولي الإنساني

تشكل القواعد العرفية للقانون الدولي الإنساني، والبروتوكول الأول الإضافي لاتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 واتفاقية حظر الألغام المضادة للأفراد والبروتوكول الثاني المعدَّل والبروتوكول الخامس للاتفاقية المتعلقة بأسلحة تقليدية معينة واتفاقية الذخائر العنقودية، تشكل في مجملها الآن الإطار القانوني الدولي الشامل لمنع ومعالجة المعاناة الإنسانية التي تسببها الألغام والذخائر العنقودية وغيرها من الذخائر المتفجرة.

وبموجب هذه الصكوك، يُحظر على الدول الأطراف استخدام الألغام الأرضية والذخائر العنقودية، كما أنّ عليها التزامات تتراوح من تطهير الأراضي الملوثة وتدمير المخزون إلى توفير المساعدة الشاملة للضحايا.

رغم كل الجهود المبذولة ما تزال أعداد كبيرة من الذخائر غير المنفجرة والألغام موجودة بين منازل المدنيين، وفي الأراضي الزراعية وفي أماكن لعب الأطفال، ناجمة عن قصف ممنهج للنظام وروسيا استمر على مدى سنوات ومايزال حتى الآن، وستبقى قابلة للانفجار لسنوات أو حتى لعقود قادمة، ومع وجود تلك الذخائر وانتشارها في جميع أنحاء سوريا، ستستمر الخسائر لفترة طويلة حتى في حال انتهاء الحرب، و تتركز جهود الدفاع المدني السوري على التعامل مع هذا الواقع المؤلم والحفاظ على أرواح المدنيين، عبر إزالة تلك الذخائر وتوعية المدنيين من خطرها، وإن الأعمال المتعلقة بالألغام وإزالة الذخائر غير المنفجرة هي استثمار في الإنسانية، فهي تساعد في رعاية المجتمعات وإعادة إحيائها، والحفاظ على الأمن الغذائي، وتمكين النازحين داخلياً العودة إلى منازلهم، والأطفال من الوصول لمدارسهم و أماكن لعبهم بأمان.

No related posts yet
Please check back soon!