عام على وقف إطلاق النار يضاف إلى تسع سنوات من المحرقة السورية
استجاب الدفاع المدني السوري خلال عام على وقف إطلاق النار لأكثر من 1,240 هجوماً أدت مقتل 162 شخصاً من بينهم 13 طفلاً و 13 امرأة
مع مرور عام على وقف إطلاق النار في الشمال السوري، وتوقف المعارك في 6 من آذار 2020 بدخول الاتفاق حيز التنفيذ، ما تزال مآلاته غير واضحة المعالم في ظل استمرار نظام الأسد وحليفه الروسي بخرق هذا الاتفاق بشكل شبه يومي، وبشتى أنواع الأسلحة، ورغم هشاشة الاتفاق واحتمال انهياره في أية لحظة، لكن يمكن وصفه بالأنجح نسبياً منذ عام 2011.
وبالرغم من أن الاتفاق خفف من القتل والعمليات العسكرية، لكنه زاد أو لم يضع حداً لمعاناة ملايين المدنيين الذين فقدوا إمكانية الوصول إلى منازلهم بشكل كامل، وأجبروا على العيش في مخيمات النازحين في مناطق مختلفة من سوريا، وسط سوء الأوضاع المعيشية وتهديدات الأمراض وحالات الطقس المتقلبة التي ضاعفت من معاناتهم بشكل دوري.
خروقات النظام وروسيا لوقف إطلاق النار
استجاب الدفاع المدني السوري منذ 6 آذار 2020 حتى أمس الخميس 4 آذار 2021 لأكثر من 1,240 هجوماً من قبل النظام وروسيا تم فيها اطلاق أكثر من 9,800 صاروخ وقذيفة وذخيرة متنوعة، وتنوعت الأسلحة المستخدمة، منها
86 هجوماً بالغارات الجوية تم فيها شن 242 غارة، و950 هجوماً بالقذائف المدفعية تم فيها إطلاق أكثر من 7,730 قذيفة، و136 هجوماً صاروخياً تم فيها إطلاق أكثر من 1,747 صاروخاً منها 5 هجمات بصواريخ أرض ـ أرض، منها اثنان محملان بقنابل عنقودية، إضافة لـ 27 هجوماً بالصواريخ الموجهة تم فيها إطلاق أكثر من 30 صاروخاً، فيما كانت الطائرات المسيرة حاضرة واستجاب الدفاع المدني السوري لـ21 هجوماً بالطائرات المسيرة، و18 هجوم بأسلحة أخرى متنوعة.
الضحايا والأرواح المنقذة
وثقَّ الدفاع المدني السوري مقتل 162 شخصاً من بينهم 13 طفلاً و13 امرأة نتيجة لتلك الهجمات التي شنها الطيران الروسي وقوات النظام واستجابت لها فرق الدفاع المدني السوري خلال عام من قرار وقف إطلاق النار، فيما تمكنت الفرق من إنقاذ 521 شخصاً أصيبوا نتيجة لتلك الهجمات، من بينهم 89 طفلاً و76 امرآة.
التوزع الجغرافي للهجمات والمرافق المستهدفة
تركزت معظم هجمات النظام وروسيا التي استجاب لها الدفاع المدني السوري خلال فترة وقف إطلاق النار على المناطق الجنوبية في ريف ادلب وجبل الزاوية ومنطقة أريحا وريف إدلب الشرقي، فيما امتد القصف باتجاه الغرب ليصل إلى مناطق سهل الغاب في ريف حماة، ومناطق الساحل بدرجة أقل في ريف اللاذقية، بالإضافة إلى عدد من الهجمات التي استهدفت عدة مناطق في ريف حلب الشمالي، حيث توزعت الهجمات على 686 هجوماً على ريف إدلب، منها 271 على منطقة أريحا، و491 هجوماً على ريف حماة، وتركز معظمها على مناطق سهل الغاب، و52 هجوماً على ريف حلب، و7 هجمات على ريف اللاذقية.
واستهدفت تلك الهجمات بشكل عام منازل المدنيين والحقول الزراعية بالدرجة الثانية، فيما لم يتوقف استهداف المدارس، المشافي، والمرافق الحيوية،واستجابت فرق الدفاع المدني السوري منذ وقف إطلاق النار في 6 آذار 2020 حتى اليوم الجمعة 5 آذار 2021 ، لـ 678 هجوماً على منازل المدنيين،407 هجوماً على حقول زراعية، و9 هجمات على مدارس ومنشآت تعليمية، و 8 هجمات على أسواق شعبية، وهجومان على مشافي ونقاط طبية، و23 هجوماً على محطات وقود ومساجد وأبنية عامة.
استهداف للمزارعين
لم تكتفِ قوات النظام وروسيا بالأساليب التقليدية للهجمات بعد وقف إطلاق النار، بل بدأت بشن هجمات بطائرات مسيرة وبالصواريخ الموجهة تستهدف المزارعين وخاصة في المناطق القريبة من خطوط التماس، ومنعت هذه الهجمات المزارعين من جني محصولهم أو زراعة أراضيهم، ما أدى إلى بوارِ مساحات كبيرة لم يتمكن السكان من زراعتها هذا العام، في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية، وفقدان عدد كبير من العائلات مصادر دخلها بعد موجة التهجير التي سببتها الحملة العسكرية للنظام وروسيا خلال العام الماضي ومطلع العام الحالي.
هجمات بصواريخ أرض ـ أرض
شنت قوات النظام وروسيا هجمات بصواريخ أرض ـ أرض مستهدفة بشكل أساسي مناطق حيوية واستجابات فرق الدفاع المدني السوري لأربع هجمات استخدمت فيها هذه الصواريخ، هجمتان منها كانت بصواريخ تحمل قنابل عنقودية، استهدف أحدها مصافي تكرير الوقود البدائية في قرية ترحين، ما أدى لمقتل مدنيين اثنين وجرح أربعة آخرين، كما أدى الاستهداف لاندلاع حرائق ضخمة جداً بسبب طبيعة المنطقة التي تضم عدداً كبيراً من خزانات الوقود ومصافي التكرير البدائية، وهجمة استهدفت سوق المحروقات في منطقة الدابس جنوبي جرابلس بريف حلب الشرقي، في 23 تشرين الأول وأدت لمقتل مدني وإصابة 6 آخرين.
نزوح دون بوادر بالعودة
أوقف اتفاق إطلاق النار أكبر موجة نزوح تشهدها سوريا منذ عام 2011، بسبب الهجمات العسكرية والتقدم البري للنظام وروسيا والقصف الذي يستهدف التجمعات السكانية، حيث نزح خلال الأيام الأخيرة من عام 2019 وحتى 5 آذار 2020 أكثر من مليون مدني، أغلبهم نزحوا من ريف حلب الغربي وريف إدلب الجنوبي والشرقي وريف حماة الشمال والغربي، وتوجه أغلب النازحين نحو المناطق الحدودية بريفي إدلب وحلب، ليتجاوز عدد النازحين الكلي في شمال غربي سوريا 2 مليون مدني معظمهم نزح عدة مرات ومن مناطق مختلفة في سوريا خلال عمر الإنتفاضة السورية ضد النظام.
وبعد وقف إطلاق النار عاد ما يقارب 350 ألف شخص لأرياف إدلب وحماة وحلب، وخلال شهري حزيران وتموز من الصيف الماضي، عادت حركة النزوح من عدة مناطق بينها منطقة سهل الغاب وجبل الزاوية، حيث تم تسجيل نزوح أكثر من 10 آلاف شخص جراء تجدد القصف المدفعي اليومي على تلك المناطق.
وتسببت موجة النزوح بأزمة إنسانية في الشمال السوري خاصة، مع ارتفاع أعداد النازحين وتقليص المساحة التي يعيشون فيها، وحتى الأعداد القليلة من النازحين والتي تمكنت من العودة إلى مناطقهم القريبة من خطوط التماس، يعيشون حالة خوف دائمة بسبب تصاعد احتمالات شن أي حملة عسكرية جديدة عليهم من قبل النظام وروسيا، فيما تستحيل عودة المهجرين من مدن وبلدات كثيرة لأنها باتت تحت سيطرة مطلقة لقوات النظام ونتائج العودة تشمل القتل أو الاعتقال والموت تحت التعذيب.
ويعلق أكثر من أربعة ملايين مدني في الشمال السوري آمالهم بأن لا يكون هناك استمرار للعمليات العسكرية والقصف والنزوح، لكن تجربتهم مع النظام وروسيا والمجتمع الدولي ارتبط بخيبات كبيرة، ولن يكون هذا الاتفاق الأخير مختلفاً كثيراً عن اتفاقات سابقة، رغم نجاحه النسبي في لجم القتل والتهجير ولكنه يرتبط بتوازنات إقليمية قد تنهار بأية لحظة لتصبح حياة هؤلاء الملايين الأربعة لجحيم لا يمكن توقع نتائجه في ظل أزمة إنسانية غير مسبوقة وتهديد فيروس كورونا، ليكون الحل السياسي هو الحل الوحيد للأزمة الإنسانية باعتراف الأمم المتحدة بينما يبقى الواقع على الأرض مختلفا تماماً ليستمر المدنيون بدفع الثمن الغالي يوماً بعد يوم.