المخيمات في شتائها الثامن... القصة نفسها والطين نفسه

المأساة التي يعيشها النازحون لا يمكن حلها عبر تقديم الخدمات للمخيمات، الحل الوحيد هو محاسبة النظام على جرائمه وإعادتهم لمنازلهم

كما جرت العادة، يجري الطين في مخيمات نزوح السوريين ليكون الكلمة الأكثر تداولاً على ألسنة أكثر من مليون نازح يعيشون في المخيمات ستبقى معهم لستة أشهر، سيبدأ نهارهم بها وسينامون عليها، ربما لن يفكر أحدهم كم مرة يستخدمها في اليوم الواحد، لأنها باتت بالنسبة إليهم كلمة معتادة مثل الخيمة أو الشمس، الطين ليس مجرد كلمة تقال بل حياة تعاش منذ أكثر من ثمان سنوات بانتظار أن تختفي هذه الكلمة من المعنى الذي حملته لتعود لاستخدامها الطبيعي.

الشتاء ومخيمات النازحين

يقف المدنيون في الشمال السوري على شفا كارثة إنسانية تتجدد كل عام، مع بدء فصل الشتاء وهطول الأمطار والتي طالما كانت مصدر للفرح والبهجة بالنسبة إليهم، لكنها تحولت الآن لكابوس يلاحقهم، وقد يكون هذا العام هو الأسوأ بعد موجة النزوح الأخيرة في العام الماضي بسبب الحملة العسكرية للنظام وحليفه الروسي على الشمال السوري والتي أدت لنزوح نحو مليون ونصف مليون مدني.

كما هو الحال مع شتاء كل عام، لا يسلم السوريون من صقيع أو مطر، فالبرد يفتك بالعشرات منهم ويوقع مئات المرضى، لاسيما الأطفال، مع ضعف المساعدات الإنسانية وعدم كفايتها للحد الأدنى من احتياجاتهم وندرة فرص العمل، وتبقى مخيمات النازحين الأشد تأثراً، نظراً لانعدام لأدنى مقومات الحياة، من نقص وسائل التدفئة وغياب قنوات الصرف الصحي، وضعف الرعاية الطبية والتعليمية وخدمات أخرى كثيرة.

ويبلغ عدد السكان في الشمال السوري 4 مليون و186 ألف شخص، أكثر من 2 مليون منهم نازحين داخلياً، ويبلغ عدد المخيمات 1,293 مخيماً، يقطنها 1,043,689 شخصاً، وتتضمن هذه المخيمات، 382 مخيماً عشوائياً يقطن فيها 185,557 شخصاً بحسب آخر دراسة أجراها فريق منسقو إستجابة سوريا، وتعتبر المخيمات العشوائية الأسوأ فهي مبنية على أراضٍ زراعية ودون أي طرقات أو فرش لأرضيات المخيمات، وتتحول هذه المخيمات لبرك من الوحل والطين تتحول لمستنقعات مع الوقت ليستحيل التحرك بين الخيام أو الدخول لتلك المخيمات، وارتفع عدد تلك المخيمات بعد الحملة العسكرية للنظام وحليفه الروسي على الشمال السوري العام الماضي.

التركيبة السكانية للمخيمات

وتعكس التركيبة السكانية للمخيمات مقدار الاحتياجات الحقيقية باعتبار أن الجزء الأكبر هم الأطفال الذي يشكلون 40 % من المجموع الكلي (400 ألف طفل من أصل مليون ساكن في مخيمات الشمال السوري) فيما يبلغ عدد النساء فيها 327,292 امرأة، والذكور 307,829، فإرتفاع عدد الأطفال والنساء يعني أن احتياجات العائلات أكبر، في ظل غياب المعيلين، ويوجد في المخيمات عدد كبير من ذوي الاحتياجات الخاصة يقدر عددهم بنحو 20 ألف حالة وهم بحاجة لرعاية خاصة تكفل كرامتهم وحقوقهم،لكنها لا تتوفر لهم.

المخيمات فريسة سهلة للسيول

بسبب طبيعة المنطقة التي بنيت بها المخيمات وغياب وسائل الوقاية لها من السيول كوجود سواتر ترابية أو قنوات تصريف وخاصة في المخيمات المبنية في الأودية، تتعرض في كل عام عشرات المخيمات لأضرار كبيرة وتبقى آلاف العائلات بلا مأوى بسبب تهدم خيامها، أو محاصرة المياه لخيامها.

تتحول الطرقات في أغلب المخيمات ومحيطها لبرك من الوحل يصعب الدخول والخروج منها لإيصال المؤن للسكان، إن وجدت، أو ذهاب الطلاب للمدارس، لاسيما أن عدداً كبيراً من المخيمات ما تزال أرضياتها تفتقد فرش الحصى و بقايا الحجارة التي تغطي نوعا ما على انعدام البنية والأسس، وتعطي صلابة للأرض تسهل الحركة عليها.

وتضرر في أول هطول مطري هذا الشتاء أكثر من 50 مخيماً في الشمال السوري، ومن المتوقع تفاقم الأوضاع والظروف خلال الفترات القادمة مع اشتداد الأمطار والبرد.

العجز في الاستجابة الإنسانية

رغم وجود عدد كبير من المنظمات العاملة في الشمال السوري، إلا أنها لا تغطي إلا جزءاً بسيطا من حاجة النازحين المتزايدة في كافة المجالات سواء الإغاثية ومواد التدفئة التي ارتفعت أسعارها بشكل كبير واضطرت أغلب العائلات للاستعاضة بمواد تدفئة خطرة وغير صحية كالألبسة القديمة والأحذية البالية والبلاستيك وهذه المواد لها أضرار كبيرة على البيئة و الصحة لاسيما الأطفال، إضافة لخطورتها وتسببها بالحرائق.

أما الخدمات العامة كالمياه وخدمات الصرف الصحي وفتح الطرقات وفرش الأرضيات وتأمين الخيام والعوازل والخدمات الطبية والتعليم فهي ضعيفة جداً مقارنة بالحاجة، وتتراوح نسبة العجز بين 50 و80 % وهي نسب كبيرة جداً، وفاقمت موجة النازحين الأخيرة للمخيمات من ضعف الاستجابة بسبب تزايد أعداد النازحين.

وبما يخص استجابة الدفاع المدني السوري للمخيمات يمكن أن تقسم لقسمين، الأول: يتعلق بالاستجابة طويلة الأمد بتجهيز أرضيات المخيمات وفرشها بالحصى، وفتح طرقات للمخيمات وإقامة قنوات تصريف في محيط عدد من المخيمات لاسيما التي تقع في الأودية أو ضمن مجاري السيول لمنع المياه من الوصول للمخيمات، ولكن العدد الكبير للمخيمات والنزوح المستمر ،مع محدودية الموارد، يصعب من الاستجابة الشاملة.

والقسم الثاني من الاستجابة يتعلق بالاستجابة المباشرة خلال حدوث السيول عبر فتح قنوات لتصريف المياه ومساعدة المخيمات التي غمرتها السيول، إضافة للمساعدة بإيصال الخدمات الأساسية للمخيمات التي عزلتها مياه الأمطار.

منذ عدة أشهر كثف الدفاع المدني السوري عملياته في مخيمات النازحين، وخاصة العمليات الخدمية، بهدف التجهيز والإستعداد لفصل الشتاء حيث قدمت فرق الدفاع المدني السوري منذ بداية شهر أيلول أكثر من 7500 عملية هي مجمل العمليات التي تمت في مخيمات النازحين تنوعت بين الخدمية والإسعافية والتطهير واخماد الحرائق والإخلاء والتوعية ، بالإضافة إلى آلاف الخدمات الأخرى التي قامت بها الفرق النسائية في الدفاع المدني السوري، من خدمات طبية، وخدمات توعوية وتقديم إرشادات ومتابعة المرضى.

وبالتأكيد الخدمات التي تقدمها فرق الدفاع المدني غير كافية بسبب طبيعة المخيمات وغياب البنية التحتية فيها وعددها الكبير، والحاجات المتزايدة للسكان.

كورونا والمخيمات

تعتبر المخيمات من أكثر التجمعات السكانية عرضة لانتشار العدوى بفيروس كورونا، بسبب طبيعة الخيام المتلاصقة واستحالة التباعد الاجتماعي، وأغلب الأسر غير قادرة على تغطية احتياجاتها المعيشية الأساسية من الغذاء، وبالتالي ضعف قدرتها على تأمين وسائل النظافة الشخصية ووسائل الحماية (الكمامات) والمياه وخدمات الصرف الصحي ولاسيما في المخيمات لتشكل هذه الحالة بيئة مناسبة لانتشار الأمراض الشتوية، خصوصا فيروسات الإنفلونزا الموسمية، والتي ستعقد من الاستجابة لجائحة كورونا.

التصعيد العسكري للنظام وروسيا

الحرب التي يشنها النظام وحلفاؤه هي السبب المباشر للازمة الإنسانية في سوريا بشكل عام وفي الشمال السوري خاصة، فعمليات التهجير الممنهجة من مختلف المناطق إضافة للحملة العسكرية الأخيرة كان لها الدور الأكبر في مفاقمة الأزمة الإنسانية وارتفاع أعداد النازحين وتقليص المساحة التي يعيشون فيها، ولم يتوقف النظام وحليفه الروسي عن التصعيد بالرغم من توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في 5 آذار الماضي، و إلى الآن لم يتمكن إلا أعداد قليلة من النازحين من العودة مناطقهم القريبة من خطوط التماس ويعيشون حالة خوف دائمة بسبب الريبة وتصاعد احتمالات شن أي حملة عسكرية جديدة عليهم من قبل النظام وروسيا، فيما تستحيل عودة المهجرين من مدن وبلدات كثيرة لأنها باتت تحت سيطرة مطلقة لقوات النظام و نتائج العودة تشمل القتل أو الاعتقال والموت تحت التعذيب.

وخلال الأيام الماضية صعّد التحالف بين النظام وروسيا الاستهدافات العسكرية على الشمال السوري وكثّف خروقاته. وثقت فرقنا مقتل 10 مدنيين بينهم 5 أطفال وجرح 22 آخرين خلال الأيام العشرة الأولى من شهر تشرين الثاني، يمنع هذا التصعيد المستمر المدنيين من الاستقرار في منازلهم بل يدفعهم للنزوح نحو المخيمات الحدودية المكتظة أصلا والتي تعاني من نقص الخدمات وتزداد فيها نسبة الإصابة بفيروس كورونا.

حل وحيد

المأساة التي يعيشها النازحون لا يمكن حلها عبر تقديم الخدمات للمخيمات ولا بناء مخيمات إسمنتية فمعناتهم أعمق من مجرد السكن، كما أن توطين النازحين في المخيمات ليس بحل، فهو انتقاص من حق المدنيين في العيش الآمن في منازلهم. وإنما الحل الجذري والوحيد يكون في توفير الأمان للمدنيين للعودة إلى مساكنهم وعندها تتضاءل الحاجة للدعم الإنساني والإغاثي.

إن المجتمع الدولي مطالب بالضغط على النظام وروسيا، وعدم الاكتفاء بالتعامل مع معالجة بعض النتائج الكارثية للتهجير دون إنهاء المشكلة ومحاسبة النظام على جرائمه وإعادة المهجرين والنازحين، علنا لا نشاهد نفس صور الأطفال المتجمدين بردا و التي تتكرر كل عام.

No related posts yet
Please check back soon!