التحديات النفسية والاجتماعية للمعتقلين السابقين في سوريا

 

الدفاع المدني السوري/ وحدة العافية النفسية 

تُعد قضية المعتقلين في سوريا من أكثر القضايا الإنسانية إيلاماً، إذ يتعرض العديد من الأفراد إلى ظروف قاسية حيث انتهاكات حقوق الإنسان الممنهجة والمتعمّدة بطرق وأساليب تعذيب متوحشة ومرعبة، ما يؤثر بشكل مباشر على صحتهم النفسية والاجتماعية.

إن العوامل النفسية التي يتعرض لها المعتقلون أثناء فترات احتجازهم لا تقتصر على الآلام اللحظية فقط، بل تشمل تداعيات طويلة الأمد تمتد لتؤثر في حياتهم بعد الإفراج عنهم، بناءً على هذه الحقائق، يتطلب فهم التحديات النفسية للمعتقلين في سوريا تحليلاً عميقاً يأخذ في اعتباره الأبعاد النفسية والبيئية والاجتماعية لهذه التجربة المؤلمة.

 

الآثار النفسية للمعتقلين:

عند الحديث عن الآثار النفسية التي يتركها الاعتقال، يمكننا تقسيم هذه الآثار إلى فترات زمنية متعددة: من لحظة الاعتقال، مروراً بفترة الاحتجاز، وصولاً إلى فترة ما بعد الإفراج.،في بداية الاعتقال، يعاني الأفراد من صدمة كبيرة تتمثل في فقدان الشعور بالأمان والحرية، وهو ما يعد بداية لتأثيرات نفسية قد تكون مدمرة، التهديد بالعنف الجسدي والحرمان من الرعاية الإنسانية والظروف المعيشية القاسية، جميعها تلعب دوراً مهماً في تشكيل التجربة النفسية للمعتقل.

إحدى المشكلات الرئيسة التي يواجهها المعتقلون هي ما يُعرف بالصدمات النفسية المتعددة، هذا النوع من الصدمات يتراكم تدريجياً مع مرور الوقت، ويتسبب في تدهور الحالة النفسية، المعتقل الذي يعاني من التهديد المستمر بالعنف أو الذي يتعرض للتعذيب النفسي والجسدي، يبدأ تدريجياً في تطوير ردود فعل غير مريحة مثل القلق المزمن، الكآبة، وفقدان الأمل، هذه الصدمات ليست مقتصرة على الآلام الجسدية فقط، بل تمس أغوار النفس البشرية، مما يؤدي إلى اضطرابات مثل اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، والذي يتسم بتكرار الذكريات المؤلمة، القلق المستمر، واضطراب النوم.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تؤدي فترات العزلة الطويلة في الزنازين الانفرادية إلى تدهور صحة المعتقل النفسية بشكل أسرع، العزلة الاجتماعية والفكرية تتسبب في شعور المعتقل بالفراغ والعزلة العميقة، ما يعزز من مشاعر نفسية متعبة، حتى الأشخاص الذين يمتلكون قدرة عالية على التحمل النفسي قد يجدون أنفسهم في حالة من التفكك الداخلي عندما يُحرمون من أبسط حقوقهم الإنسانية مثل التواصل مع الآخرين أو حتى الحصول على الحد الأدنى من الرعاية الصحية.

 

التعامل مع الآلام النفسية:

من بين أبرز التحديات النفسية التي تواجه المعتقلين هو غياب أي نوع من الدعم النفسي أو الاستشارة النفسية، في بيئة تتسم فيها أماكن الاعتقال بالإهمال القاسي المتعمد والظروف غير الإنسانية، يفتقر المعتقلون إلى أي نوع من المساعدة النفسية المتخصصة التي قد تساعدهم في مواجهة متاعبهم النفسية. هذا النقص في الدعم يتسبب في أن العديد منهم يواجهون صعوبة كبيرة في التعامل مع مشاعرهم بعد الإفراج، ما يضاعف من معاناتهم النفسية والاجتماعية.

تبدأ هذه الآلام النفسية في الظهور بقوة بعد الخروج من المعتقل، حيث يبدأ المعتقل في محاكاة ذكرياته المزعجة والتعامل مع الآلام النفسية الناتجة عن التجربة، تتراكم هذه التجارب بشكل قد يجعل من الصعب على المعتقل العودة إلى الحياة الطبيعية، وقد يعاني المعتقل من اضطرابات في العلاقات الاجتماعية، كالعزلة أو فقدان الثقة في الآخرين، قد يشعر المعتقل بالعجز التام أمام المواقف الاجتماعية اليومية، وهذا ما قد يؤدي إلى مشاعر الحزن العميق والعزلة الاجتماعية.

التحديات الاجتماعية:

التحديات النفسية لا تقتصر على المعتقل نفسه فقط، بل تمتد لتشمل أفراد أسرته والمجتمع المحيط به، بالنسبة للمعتقل، قد يواجه صعوبة في استعادة مكانته الاجتماعية بعد الإفراج عنه، خاصة إذا كانت التجربة قد أثرت على سمعته الاجتماعية أو وضعه العائلي، المجتمعات التي عانت من نزاعات أو أحداث مريرة قد تشهد مشاعر من التفرقة الاجتماعية، حيث يُنظَر إلى المعتقلين كأشخاص مختلفين أو "مهمشين" بسبب ما مروا به من تجربة مؤلمة.

تواجه الأسر تحديات أخرى تتمثل في شعورهم بالعجز تجاه ما تعرض له أفرادهم، فقد يواجهون صعوبة في دعمهم النفسي، خاصة إذا لم يكونوا قد فهموا تماماً أبعاد التجربة التي مر بها المعتقل، كما أن فكرة إعادة تكيف المعتقل مع أسرته وحياته اليومية تشكل تحدياً كبيراً، فالتجربة الطويلة من العزلة والتعرض لصدمات نفسية عميقة قد تترك أثراً في طريقة تعامله مع أفراد الأسرة، ما قد يؤدي إلى تفكك العلاقات أو سوء الفهم.

 

التأثيرات الطويلة الأمد:

الأثر طويل الأمد للاعتقال على الصحة النفسية ليس فقط في فترة ما بعد الإفراج، بل يمتد في كثير من الحالات لسنوات، حتى بعد الخروج من المعتقل، قد يظل الفرد يعاني من آثار صحية نفسية عميقة، مثل اضطرابات القلق المزمن، الكوابيس، والشعور المستمر بالخوف، على الرغم من ذلك، يمكن للعديد من المعتقلين أن يواصلوا حياتهم بعد الإفراج إذا توفر لهم الدعم النفسي والاجتماعي المناسب، و في العديد من الحالات، يُترك المعتقلون السابقون في حالة من النسيان والتجاهل من قبل المجتمع، ما يجعل شفائهم النفسي أصعب.

 

الحاجة إلى الدعم النفسي المتكامل:

لحل هذه التحديات النفسية والاجتماعية التي يواجهها المعتقلون، من الضروري توفير الدعم النفسي المتكامل، هذا يشمل ضرورة تأمين برامج علاجية نفسية للمعتقلين أثناء فترة الاحتجاز( وهذا لم يكن متوفراً)، وكذلك توفير الدعم النفسي اللازم لهم بعد الإفراج عنهم، و دعم الأسر وتوفير برامج توعية للمجتمع حول كيفية التعامل مع المعتقلين السابقين يمكن أن يلعب دوراً مهماً في تسهيل عملية إعادة الإدماج الاجتماعي لهم.

تعد تجربة الاعتقال في بيئات قاسية واحدة من أصعب التحديات النفسية التي يمكن أن يواجهها الإنسان، ومن أجل مساعدة المعتقلين على التعافي، من الضروري أن يكون هناك اهتمام أكبر بالصحة النفسية للمعتقلين وتوفير الدعم اللازم لهم خاصة بعد خروجهم، يحتاج المجتمع بأسره إلى التكاتف من أجل معالجة الآثار النفسية والاجتماعية لهذه التجربة المدمرة، والعمل على توفير بيئة داعمة تساعد المعتقلين على تجاوز محنتهم وإعادة بناء حياتهم بشكل صحي ومستدام.