الزلزال والقصف والأزمة الإنسانية … مآسي السوريين في عام 2023
عام استثنائي يمضى على السوريين لا من حيث المعاناة بل من حيث حجمها، فمع استمرار آلة قتل النظام وروسيا والمليشيات الموالية في قتلهم، جاء زلزال السادس من شباط ليزيد من المأساة ويفاقم الألم، فرقنا وثقت مقتل 162 شخصاً بينهم 46 طفلاً و23 امرأة، وجرح 684 أخرين بسبب هجمات النظام وروسيا بينما سلب الزلزال ألاف الأرواح وترك عشرات الآلاف من دون مأوى.
يمضي عامٌ آخر على السوريين مثقّلاً بآلام وجراح سنواتٍ تجاوزت الـ 12 من حرب نظام الأسد وروسيا عليهم، وفاقمتها كارثة غير مسبوقة، عامٌ آخر لاحق فيه إرهاب النظام السوريين في بيوتهم وخيامهم وأماكن رزقهم، واستمر جنباً إلى جنب مع روسيا في سلب الأرواح والسعي لتقويض الحياة ودفن الأمل بمستقبل أفضل للسوريين من خلال الهجمات الممنهجة والمتكررة بمختلف أنواع الأسلحة على مدار العام مستهدفاً الأحياء السكنية والمرافق العامة والمؤسسات التعليمية والطبية بل وحتى الأراضي الزراعية.
كان عام 2023 استثنائياً للسوريين ليس من حيث المعاناة بل من حيث حجمها الذي تضاعف نتيجة الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا في الـ 6 من شباط وأدى لمقتل وجرح الآلاف السوريين وترك عشرات الألاف من دون مأوى لينضموا إلى أكثر من مليوني سوري مهجر في المخيمات بشمال غربي سوريا.
وفي هذا العام، ازدادت الأعباء على فرق الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) فمن الاستجابة لهجمات النظام وروسيا إلى الاستجابة للزلزال المدمر إلى جانب مختلف الخدمات والمشاريع لم يوفر الدفاع المدني السوري جهداً وطاقة في سبيل إنقاذ وتسهيل حياة المدنيين، واستعادة سبل العيش للمجتمعات المتضررة ومواجهة التحديات التي تواجهها.
التقرير التالي يسلط الضوء على استجابات الدفاع المدني السوري وأعماله وخدماته منذ بداية العام 2023 وحتى تاريخ 17 كانون الأول الجاري، وجميع الأرقام الصادرة في هذا التقرير تشمل هذه الفترة، وتعبر عن الاستجابة.
الاستجابة للهجمات
استجاب الدفاع المدني السوري خلال عام 2023 (الفترة التي يشملها التقرير) لـ 1232 هجوماً من قبل نظام الأسد وروسيا والميليشيات الموالية لهم إضافة للانفجارات والعبوات الناسفة والألغام، وتم تسجيل 72 غارة جوية جميعها روسية، و 901 هجوماً بالقذائف المدفعية، و 184 هجوماً صاروخياً منها 6 هجمات بصواريخ أرض ـ أرض، واستخدمت في هذه الهجمات آلاف الذخائر، وأيضاً استخدم النظام القنابل والأسلحة الحارقة في استهدافه المدنيين والأحياء السكنية، وكانت الطائرات المسيرة حاضرة واستجابت فرقنا لـ 6 هجمات بالطائرات المسيرة، في حين وثقت فرقنا 17 انفجارا من مخلفات الحرب و 13 انفجاراً مجهولاً، إلى جانب هجمات وانفجارات أخرى، وأدت هجمات النظام وروسيا إلى مقتل 162 شخصاً بينهم 46 طفلاً و23 امرأة، وجرح 684 أخرين بينهم 260 طفلاً و 118 امرأة.
استخدام الأسلحة المحرمة والصواريخ الموجهة
وكان جلياً إتّباع النظام سياسة ممنهجة هدفها إيقاع أكبر عدد ممكن من الضحايا وتقويض الاستقرار وحرمان المدنيين من القيام بأعمالهم اليومية، من خلال الاعتماد على الصواريخ الموجه عالية الدقة في استهداف المدنيين والمزارعين والمسعفين والعمال الإنسانيين، حيث استجابت فرق الدفاع المدني السوري لـ 18 هجوماً بالصواريخ الموجهة وهجوماً بأسلحة موجهة بالليزر (كراسنبول) من قبل قوات النظام، تسببت هذه الهجمات بمقتل 5 مدنيين بينهم متطوع في الدفاع المدني السوري، وإصابة 18 مدنياً بينهم 3 أطفال وامرأة بجروح.
كما كان استخدام النظام للأسلحة المحرمة دولياً بشكل متكرر ودون رادع دليلاً آخر على انتهاكه الخطير للقانون الدولي الإنساني وارتكابه جرائم حرب، ولعل غياب المحاسبة واستمرار الإفلات من العقاب على الجرائم شجع نظام الأسد على استخدام تلك الأسلحة، فاستعمل الأسلحة الحارقة المحرمة دولياً في 9 هجمات أدت إلى مقتل طفلة وجرح 4 مدنيين بينهم 3 أطفال بينما استخدم النظام صواريخ أرض ـ أرض محملة بذخائر عنقودية محرمة دولياً في هجومين أدت لمقتل مدنيين اثنين وإصابة 8 آخرين بينهم طفلان وامرأة وأيضاً استخدمت قوات النظام في هجماتها خلال شهر تشرين الأول، صواريخ غراد 9m28 من الممكن أن تكون محملة بـ ألغام مضادة للأفراد من نوع POM-2 وهذه الألغام أسلحة محرمة دولياً وشديدة الخطورة، ويحمل الصاروخ أيضاً ألغام مضادة للآليات PGMDM.
التصعيد الأكبر خلال أربع سنوات
وشهد شهر تشرين الأول الماضي أكبر حملة للتصعيد شنتها قوات النظام وروسيا ضد المدنيين في شمال غربي سوريا منذ أربع سنوات، حيث تم تسجيل ما يقارب الـ 300 هجوماً خلال هذا الشهر، وأدى القصف العنيف لقوات النظام وروسيا إلى مقتل 66 شخصاً بينهم 23 طفلاً و13 امرأةً، وأصيب فيه أكثر من 270 شخصاً بينهم 79 طفلاً و47 امرأة، و 3 متطوعين في الدفاع المدني السوري، وارتكبت قوات النظام ثلاثة مجازر (المجزرة كل هجوم أدى لمقتل 5 أشخاص أو أكثر في نفس الهجوم والمكان) أغلب الضحايا فيها من الأطفال والنساء، كانت أولهما بعد منتصف ليل يوم الخميس 5 تشرين الأول، باستهداف قوات النظام بقصف صاروخي منزلاً سكنياً لعائلة مهجرة، شمالي بلدة كفرنوران في ريف حلب الغربي، ما أدى لمقتل 5 مدنيين من عائلة واحدة (امرأة مسنة مقعدة وأبناءها الأربعة شابان وامرأتان) وإصابة امرأة. ووقعت المجزرة الثانية يوم الأحد 22 تشرين الأول باستهداف مدفعي لقوات النظام لخيمةٍ بجانب منزل سكني في قرية القرقور بسهل الغاب شمال غربي حماة، وراح ضحيتها 5 أطفال بينهم 3 أشقاء، وطفلة ابنة عمهم، إضافة لطفل آخر وفقدان شقيقته (كانت تلعب مع الأطفال الذين قتلوا ولم يعثر عليها). فيما وقعت المجزرة الثالثة يوم الثلاثاء 24 تشرين الأول باستهداف الطائرات الحربية الروسية لمخيم (أهل سراقب) في قرية الحمامة في ريف إدلب الغربي، ما أدى لمقتل 5 مدنيين وهم امرأتان شقيقتان إحداهما حامل وجدتهما ورضيعان، وأصيب 5 مدنيين آخرين بينهم 3 أطفال أحدهم رضيع، ورجلان آخران مسنان. وكانت حملة التصعيد كفيلة بتجدد مأساة النزوح والتهجير لعشرات الآلاف من المدنيين من مدن وبلدات ريف إدلب الشرقي والجنوبي، وريف حلب الغربي، حيث نزحت آلاف العائلات من مدن إدلب وأريحا وجسر الشغور وسرمين ودارة عزة وقرى آفس والنيرب وترمانين والأبزمو وعشرات القرى في جبل الزاوية جنوبي إدلب شبه أفرغت من ساكنيها بالكامل بسبب القصف العنيف والمكثف، وتقدر أعداد السكان بشكل تقريبي في المناطق المذكورة بنحو 750000 شخصٍ توجهت أعداد كبيرة منهم إلى المدن والبلدات الأقل عرضةً للقصف والأقل خطراً على حياتهم، فيما توجهت أعداد أكبر إلى مخيمات التهجير التي تعاني أساساً من ضعف كبير في البنية التحتية.
مجازر النظام خلال العام
ولم تغب مجازر النظام وروسيا والميليشيات الموالية لهم بحق السوريين خلال أشهر السنة الأخرى، حيث ارتكبت قوات النظام، في الـ 25 من تشرين الثاني، مجزرة راح ضحيتها 10 قتلى مدنيين بينهم 7 أطفال وامرأة وأصيبت امرأة أخرى، (وهم رجل وعائلته وشقيقته وعائلتها)، بقصف مدفعي استهدفهم أثناء عملهم بقطاف الزيتون في مزارع قرية قوقفين جنوبي إدلب. وفي الأول من أيلول قُتل 5 أطفال، وأصيب 6 أطفال وامرأة ورجل بجروح، (جميعهم من عائلة واحدة)، في مجزرة جراء قصف مدفعي مصدره مناطق سيطرة مشتركة لقوات النظام وقوات سوريا الديموقراطية، استهدف قرية المحسنلي في ريف جرابلس شرقي حلب. كما ارتكبت الطائرات الحربية الروسية مجزرة بغارات جوية على سوق للخضروات والفواكه على أطراف مدينة جسر الشغور غربي إدلب في الـ 25 حزيران قُتل فيها 9 أشخاص بينهم عمال ومزارعون وأصيب 61 آخرون.
المرافق العامة وسياسة تقويض الحياة
وتركزت الهجمات الممنهجة التي شنها نظام الأسد وروسيا على المدن والبلدات في معظم مناطق شمال غربي سوريا، وهدفت لقتل أكبر عدد ممكن من السكان بتعمد استهداف الأماكن المكتظة وتدمير البنية التحتية والمرافق العامة والعمال الإنسانيين، التي تنص كافة المواثيق الدولية على تحييدها، بهدف تهجير المدنيين وتدمير كافة أشكال الحياة التي تدعم استقرارهم، وتعرض 397 منزلاً للاستهداف بينما كانت الحقول والأراضي الزراعية أكثر من تعرض لاستهداف النظام وروسيا بواقع 653 استهدافاً بغرض حرمان المزارعين من رزقهم وقوت يومهم، كما كانت المؤسسات والمرافق التعليمية هدفاً للنظام حيث تعرضت 24 مدرسة للاستهداف، كما تعرضت 6 مرافق طبية بينها 3 مشافي للاستهداف المباشر مخلفاً فيها أضراراً، واستهدف القصف 12 مسجداً، و16 مخيماً، و13 سوقاً شعبياً ومحطة كهرباء و3 مزارع لتربية الدواجن، و 6 محطات لتعبئة المياه، و45 طريقاً رئيسياً.
الدفاع المدني السوري هدف لآلة قتل النظام
لم يكن الدفاع المدني السوري بمنأىً عن هجمات النظام، حيث فقدت المؤسسة المتطوع عبد الباسط عبد الخالق الذي استشهد باستهداف مباشر بصاروخ موجه من قبل قوات النظام لسيارة فريق الإنقاذ أثناء تفقد أماكن طالها قصف مدفعي لقوات النظام جنوبي شرقي مدينة الأتارب غربي حلب، يوم الـ 11 تموز/ وتعرض ثلاثة متطوعين للإصابات، اثنان منهم في مدينة إدلب ومتطوع في مدينة دارة عزة.
مراكز الدفاع المدني السوري كانت أيضاً هدفاً لقصف النظام، فقد تعرضت 4 مراكز للاستهداف من بينها مركز الدفاع المدني السوري بمدينة أريحا جنوبي إدلب الذي تعرض لأضرار مادية كما لحقت الأضرار بسيارة إسعاف وسيارة نقل لمرضى الكلى، وملحق إطفاء، بعد قصف صاروخي لقوات النظام، في الـ 5 تشرين الأول، وأيضاً خرج مركز صحة النساء والأسرة التابع للمؤسسة في مدينة سرمين شرقي إدلب عن الخدمة إثر استهداف قوات النظام للمركز بقصف صاروخي صباح يوم الـ 8 تشرين الأول، إضافة لمركز دارة عزة ومركز ضمن إدلب المدينة.
الاستجابة لكارثة الزلزال
خلال أكثر من 12 عاماً ذاق السوريون من ويلات حرب النظام وروسيا عليهم، وفي فجر 6 شباط فُتحت صفحة جديدة في المأساة السورية، كان عنوانها كارثة الزلزال، حيث ضرب زلزال مدمر تركيا وسوريا، وبلغت قوته 7.7 درجات، أعقبه آخر بعد ساعات بقوة 7.6 درجات وعشرات الهزات الارتدادية ولم يقتصر أثره على الخسائر الكبيرة في الأرواح والممتلكات فحسب بل شكل أيضا تحديات طويلة الأجل أمام التعافي والصمود في ظل البنية التحتية الهشة وتشريد آلاف العائلات وضعف الاستجابة ومشاريع التعافي واستمرار الهجمات العسكرية والاستنفاد الكبير للقطاع الطبي وتحديات انتشار الأمراض والأوبئة.
ومع اللحظات الأولى من الزلزال أعلن الدفاع المدني السوري شمال غرب سوريا منطقة منكوبة واستنفرت جميع الفرق ضمن حالة الطوارئ القصوى لإنقاذ العالقين تحت الأنقاض في بقعة جغرافية واسعة شملت 182 موقعاً ضمن 60 مجتمعاً فيها أكثر من 580 مبنى مهدم كلياً وأكثر من 1578 مبنى تهدم بشكل جزئي. واستطاع متطوعو الدفاع المدني السوري إنقاذ 2950 شخصاً من تحت الأنقاض بينما انتشلوا 2172 ضحية للزلزال. وشارك في هذه العمليات أكثر من 3000 من كوادر الخوذ البيضاء منهم 2500 متطوع و 300 متطوعة و 200 موظف إداري، مع تعبئة كاملة للآليات الثقيلة والمعدات اللازمة ، بالإضافة إلى استئجار عدد من الآليات الثقيلة من الأسواق المحلية.
بعد الزلزال عملٌ أكثر ومسؤولية أكبر
خلف الزلزال دماراً هائلاً في منطقة واسعة خلال ثوانٍ معدودة، الأمر الذي تطلب استجابة واسعة لا تقتصر على الاستجابة الطارئة التي شملت البحث والإنقاذ بل وتمتد إلى مابعد هذهِ المرحلة للتخفيف من آثار الكارثة على المديين المتوسط والبعيد، وقد وضع الدفاع المدني السوري خطة شاملة لاستجابة الزلزال تتكون من ثلاث مراحل رئيسية، فإلى جانب المرحلة الأولى التي شملت البحث والإنقاذ وانتشال جثامين الضحايا، كانت هناك المرحلة الثانية التي شملت فتح الطرقات وتأمين مخاطر الجدران الآيلة للسقوط للحفاظ على أرواح المدنيين وتسهيل عمليات الاستجابة للطوارئ وفتح شرايين الحياة التي أغلقها الركام، والمرحلة الثالثة التي تشمل إزالة الأنقاض وهي خطوة حاسمة نحو إنعاش المجتمعات المتضررة واستعادة البنية التحتية لبدء السكان بإعادة بناءِ حياتهم.
وقامت فرق الدفاع المدني السوري بإزالة أكثر من 420 ألف متر مكعب من الأنقاض ضمن 133 تجمع سكني، وفتحت طرقاً بطول أكثر من 200 كم، كما قامت بتنفيذ مئات عملية هدم سقف أو جدار بحجم يتجاوز الـ 30 ألف متر مكعب ضمن 103 تجمع سكاني لحماية المدنيين من المخاطر الناتجة عن انهيار الأسقف والجدران في المباني المتضررة والمنشآت العامة والمدارس.
لم يقف الأمر عند هذا الحد بل بدأت مؤسسة الدفاع المدني السوري سلسلة من مشاريع البنية التحتية التي تجاوز عدد هذه المشاريع 50 مشروعاً ومن هذهِ المشاريع مشروع تنفيذ شبكات مياه الشرب والصرف الصحي في تجمعات مخيمات كفر كرمين ـ الكمونة في ريف حلب الغربي لـ 7 آلاف منزل، ومشروع إعادة تأهيل طريق العامود في مدينة سرمدا بطول 4790 متر، ومشروع تجهيز مدخل خاص بسيارات الإسعاف في مستشفى اعزاز الوطني شمالي حلب، لتخفيف معاناة الازدحام في مدخل المستشفى الرئيسي بسبب كثرة المراجعين، ومشروع لإعادة تأهيل وتزفيت طريق القندرية ـ عين البيضا في منطقة جرابلس شرقي حلب، بطول 8500 متراً، ومشروع بناء مسجد قرية الملند في ريف إدلب الغربي، بعد أن دمر زلزال 6 شباط مسجد القرية، ومشروع ترميم وتأهيل كلية التربية في مدينة عفرين في ريف حلب الشمالي، ومشروع إعادة تأهيل وتزفيت طريق الجسر الثالث في مدينة عفرين بطول 1650 متراً وطريق عفرين – كفرجنة بطول 9500 متراً، ومشروع ترميم وتأهيل كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية في مدينة الباب في ريف حلب الشرقي، ومشروع بناء مدرسة خالد بن الوليد في مدينة جنديرس والتي دمرها الزلزال، ومشروع إعادة تأهيل مدخل إدلب الغربي، وغيرها من المشاريع التي سعت من خلالها المؤسسة لتخفيف الآثار الكارثية للزلزال على المدنيين في شمال غربي سوريا.
شراكات لتعزيز الصمود
حرب النظام وروسيا والزلزال كانا سببا في دمار البنى التحتية وتهالك في القطاع الصحي والتعليمي وغياب مؤشرات الاستقرار والأمان وظروف المعيشة بالحد الأدنى، وخلق ظروفٍ كارثية أيضاً تحد من قدرات الاستجابة الإنسانية وإجراءات التعافي، الأمر الذي استلزم تعاون وتكاتف المنظمات الإنسانية العاملة في شمال غربي سوريا وتطلب بناء شراكات تستهدف تنسيق الجهود وتضافرها للمساهمة في التخفيف عن المدنيين وتحسين ظروفهم المعيشية، وفي هذا السياق تم إعلان تشكيل تحالف عملياتي مكون من الجمعية الطبية السورية الأمريكية (سامز) المنتدى السوري، والدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) في الـ 25 آذار لتقديم أفضل خدمة تكاملية ضمن الاختصاصات المتعددة التي تعمل بها المؤسسات الثلاث. كما تم تشكيل تحالف عملياتي بين الدفاع المدني السوري ومنظمة الأمين للمساندة الإنسانية، ويهدف هذا التحالف إلى تنسيق الجهود والتعاون للمساهمة في تحسين واقع الإستجابة الإنسانية وتحقيق استجابة أفضل عبر تنفيذ مشاريع مشتركة، كانت باكورتها بناء وتجهيز مركز للعلاج الإشعاعي والتشخيص المتقدم للأورام.
مخلفات الحرب الإرث القاتل
مع استمرار الحرب وتعمّد قوات النظام وروسيا القصف بالقنابل العنقودية والأسلحة الحارقة وغيرها من الذخائر، يعيش السوريون خطراً طويل الأمد على حياة الأجيال القادمة وخاصة الأطفال والتي تشكل هذه المخلفات خطراً كبيراً على حياتهم.
ووثق الدفاع المدني السوري منذ بداية العام الحالي 24 انفجاراً لمخلفات الحرب في شمال غربي سوريا بينها 17 انفجاراً من مخلفات قصف سابق و 7 انفجارات لألغام أرضية أدت لمقتل 7 أشخاص بينهم 4 أطفال وإصابة 29 آخرين بينهم 19 طفلاً، وامرأتان.
وأجرت فرق إزالة الذخائر غير المنفجرة في الدفاع المدني السوري 1411 عملية مسح غير تقني وقامت خلالها بتحديد 522 منطقة ملوثة بالذخائر، وتم التخلص من 1054 ذخيرة منها 321 ذخيرة عنقودية، و 201 مقذوفاً، و 176 قنابل (رمانات)، و 164 صاروخاً، و 134 قذيفة هاون، و 47 فيوز، و 4 قنابل ملقاة من الجو، و 3 صواريخ موجهة، 3 ألغام أرضية، و مقذوف عديم الارتداد، كما نظمت الفرق 4378 جلسة توعية بمخاطر الذخائر المتفجرة استفاد منها 91997 مدني.
خدمات في شتى المجالات
إلى جانب ما ذكر واصل الدفاع المدني السوري استجابته لمختلف الحوادث وحالات الطوارئ في شمال غربي سوريا من حرائق وفيضانات وسيول إلى حوادث السير وعمليات الإنقاذ المائي، حيث سجلت فرقنا أكثر من 25 ألف عملية خدمية و أكثر من 57 ألف حالة أسعاف، و181 عملية إخلاء مدنيين، كما نفذت فرق الإنقاذ المائي 93 عملية تم فيها إنقاذ 115 شخصا وانتشلت 50 شخصاً توفوا غرقاً، واستجابت فرقنا ايضاً لـ 1487 حادث سير وتمكنت من اطفاء ما يقارب الـ 2700 حريقاً تم فيها إنقاذ 124 شخصاً وانتشال 20 وفاة، بموازاة ذلك نظمت فرقنا 4132 جلسة توعية 239 بالكوارث والأمراض والحرائق والسباحة ولدغات الأفاعي والعقارب وصلت من خلالها إلى أكثر من 239 ألف مستفيد بينهم ما يقارب الـ 200 ألف طفل وطفلة وأكثر من 8 آلاف امرأة.
مراكز الصحة النسائية
تشكل مراكز صحة النساء والأسرة 39 المنتشرة في مناطق شمال غربي سوريا، واحدة من أهم محاور عمل المؤسسة، حيث تم تقديم أكثر 133 ألف خدمة طبية داخل المراكز لأكثر من 77 ألف مستفيد بينما قدمت متطوعاتنا 36372 ألف خدمة صحية بينها 28760 خدمة إسعاف و 4277 خدمة توعية و 3335 خدمة دعم نفسي في خارج هذهِ المراكز استفاد منها أكثر من 91 ألف مدني بينهم أكثر من 50 ألف طفل وطفلة وأكثر من 40 ألف امرأة، وذلك خلال الفترة الممتدة بين 1 كانون الثاني حتى 17 كانون الأول 2023>
وخلال شهر آب الماضي تم تفعيل خدمة المناوبات 24 ساعة في مراكز صحة النساء والأسرة وذلك في إطار تطوير الخدمات المقدمة من قبل الدفاع المدني السوري ورفع جودتها وبناءاً على دراسة قامت بها المؤسسة لمعرفة احتياجات المجتمع وتلبيتها حيث تعمل المتطوعات على استقبال الحالات الإسعافية والحالات التي تتطلب التدخل الطبي، وخدمات النقل إلى المستشفيات والمراكز الطبية، ودعم منظومة الإسعاف في المؤسسة، إلى جانب تقديم خدمة الصحة الإنجابية وتوفير الرعاية الصحية والمتابعة وتخفيف الأعباء عن النساء الحوامل. كما قدمت قابلات الدفاع المدني السوري، خلال شهر تشرين الأول أو المعروف بالشهر الوردي دلالة على التوعية من سرطان الثدي، جهوداً كبيرة لنشر الوعي وتعزيز صحة النساء في شمال غربي سوريا من خلال ورشات شاركن خلالها النساء معلومات محدّثة حول سرطان الثدي وأهمية الفحص المبكر، وطرق الفحص الذاتي للكشف عن المرض في مراحله الأولى والذي يساعد بشكل كبير على علاجه.
المساعدات وابتزاز روسيا والنظام المستمر
ورغم وجود الإطار القانوني الذي يسمح بدخول المساعدات الإنسانية إلى سوريا من دون طلب موافقة النظام أو قرار من مجلس الأمن الدولي وضمان إبقاء كافة المعابر الحدودية في كافة المناطق السورية مفتوحة للمساعدات الإنسانية ما دام الاحتياج موجوداً، إلّا أن الأبتزاز الروسي أولاً ثم ابتزاز النظام لاحقاً واستعمالهما لورقة المساعدات الإنسانية التي تدخل إلى سوريا كورقة سياسية استمر في العام 2023 أيضاً ودفع السوريون ثمن ذلك حيث انقطع دخول المساعدات من معبر باب الهوى شمال غربي سوريا لأكثر من 70 يوماً بين شهري تموز وأيلول الماضي بعد انتقال آلية المساعدات من الابتزاز الروسي في مجلس الأمن، إلى ابتزاز نظام الأسد الذي قتل وهجر واستخدم الأسلحة الكيميائية لقتلهم ودمر البنى التحتية وسبل عيش المجتمعات.
وفي نهاية شهر آب أصدر منظمات سوريا بينها مؤسسة الدفاع المدني السوري بياناً مشتركاً للتأكيد على قانونية إدخال المساعدات عبر الحدود دون الحاجة لإذن من مجلس الأمن أو نظام الأسد، وبضرورة العمل على آليات جديدة تضمن استدامةً العمليات الإنسانية وانطلاقها من مصلحة المجتمعات المتضررة واحترام كرامتهم، وبما يحقق وصول السكان إلى هذه المساعدات بدون شروط، و التخطيط بعيد المدى للبرامج الإنسانية التي تعطي الأولوية للاستجابة لحاجات المجتمعات المتضررة.
سعي مستمر للعدالة
وإيماناً من الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) بالعدالة للسوريين والسعي لتحقيقها باعتبار متطوعيه كانوا شهوداً وناجين على هجمات وجرائم نظام الأسد وروسيا، منها أكثر 60 هجوماً بالأسلحة الكيميائية، منذ أكثر من عقد من الزمن، شاركت الخوذ البيضاء إلى جانب منظمات المجتمع المدني السورية ومحامين ومدافعين عن حقوق الإنسان في إطلاق دعوة لإنشاء محكمة استثنائية للأسلحة الكيميائية لمحاسبة الجناة على استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا وخارجها في الـ 30 تشرين الثاني الماضي، وقد سبق الدعوة انعقاد مؤتمر للمجتمع المدني السوري في مدينة لاهاي الهولندية بخصوص الأسلحة الكيميائية يوم الـ 23 تشرين الثاني.
وتأتي الدعوة العامة التي أطلقتها أكثر من 15 منظمة من المجتمع المدني السورية، بعد نحو عامين من مشاورات الخبراء الدوليين والمناقشات المتعددة الأطراف والثنائية مع الدول، وتستند إلى تحليل متعمق للاعتبارات القانونية والسياسية والتقنية، بينما دعمت الخوذ البيضاء هذهِ العملية من خلال توثيق الحوادث وتبادل الأدلة، بما في ذلك العينات والمواد الفوتوغرافية والشهادات مع جميع الهيئات الدولية ووكالات الأمم المتحدة المخولة بالتحقيق بهذه الانتهاكات مثل منظمة حظر الأسلحة الكيميائية ("OPCW") ومع الآلية الدولية المستقلة المحايدة (IIIM).
عامً جديدٌ يشد الرحال تاركاً للسوريين مأساة مستمرة منذ أكثر من 12 عاماً تجسدت في حرب نظام الأسد وروسيا والميليشيات الموالية على كافة أشكال الحياة، أُضيف إليها كارثة غير مسبوقة متمثلة في زلزال السادس من شباط المدمر، لتتعمق معاناة السوريين وتتسع فجوة الاحتياجات الإنسانية، خاصة مع حلول فصل الشتاء، وسط غياب لأية حلول تنهي هذه المأساة وغياب موقف دولي واضح حيال الجرائم ضد الإنسانية التي تمارسها قوات النظام وروسيا بحق المدنيين.
ومع اقتراب المأساة السورية من عامها الثالث عشر يبقى الأمل بانتهاء الحرب وتحقيق العدالة، وإطلاق سراح المختفين قسراً والمعتقلين في أقبية الموت، وعودة المهجرين إلى بيوتهم ومدنهم وقراهم التي اقتلعوا منها، وإعادة إعمار ما دمره نظام الأسد وحلفائه أمنية السوريين التي ترافقهم من عام لعام منذ أكثر من 12 عاماً، أمنيةٌ لن تندمل أو تموت وتبقى ما بقي القصف المستمر والممنهج واقعاً، والمخيمات وطناً وأقبية الموت جحيماً على السوريين.
No related posts yet
Please check back soon!