ثماني سنوات و العدوان الروسي مستمر على السوريين
روسيا بكل وضوح أثبتت أن هدفها القتل وتحقيق مصالحها و لا تهتم بالانهيار الاقتصادي أو في دمار البنى التحتية أو في تهجير السكان، أو بانهيار النظام الصحي أو التعليمي، ما يهمها فقط هو مصالحها الجيوسياسية وقواعد عسكرية تؤمن وجود طويل الأمد لها في شرق المتوسط.
مرت ثماني سنوات منذ بداية العدوان العسكري الروسي المباشر على السوريين، وهو العدوان الذي بدأ في 30 أيلول 2015 وفق ما أعلنت روسيا، وأعاد تشكيل المشهد السياسي والإنساني وخلف نتائج كارثية مباشرة وطويلة الأمد على السوريين، و في ظل تغاضي المجتمع الدولي عن جرائم روسيا في سوريا و إفلاتها من العقاب.
التدخل العسكري الروسي المباشر لدعم نظام الأسد في حربه على السوريين لم يكن مجرد دعم عسكري لحليف، بل كان عدواناً على سوريا وتدميراً لبنيتها التحتية وإجهاضاً لمشروع التغيير فيها، وكان من الواضح أن هدف روسيا الأهم هو عدم السماح بإنتاج أي بديل عن نظام الأسد، مدفوعة بمصالح جيوسياسية.
و ماتزال الاعتداءات العسكرية الروسية المباشرة في سوريا وانتهاكاتها للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني مستمرة للعام الثامن على التوالي، بالرغم من اتفاق وقف إطلاق النار المعلن في الخامس من اّذار عام 2020.
الضحايا والأرواح المنقَذة
أدت الهجمات الروسية البالغ عددها بحسب توثيقات الدفاع المدني السوري 5741 هجوماً ـ وهذه ليست كل الهجمات إنما فقط ما استجابت له الفرق، يوجد عدد من الهجمات لم تتمكن الفرق من الاستجابة لها كما أنها لاتشمل الهجمات المشتركة بين نظام الأسد وروسيا أو الهجمات في مناطق لا يمكن الوصول إليها ـ أدت الهجمات على مدى السنوات الثمانية الماضية لمقتل أعداد كبيرة من المدنيين، ووثقت فرقنا خلال الفترة الممتدة من 30 أيلول 2015 حتى 17 أيلول 2023 مقتل 4072 مدنياً من ضمنهم 1165 طفلاً و754 امرأة، و 8426 جريحاً في صفوف المدنيين، من ضمنهم 2154 طفلاً و1709 امرأة.
وشهد عام 2016 العدد الأكبر من القتلى والجرحى على يد القوات الروسية (1,076 قتيلاً) و(2611 جريحاً)، تلاه عام 2018 (1076 قتيلاً) و(1707 جريحاً).
كما فقدت فرق الدفاع المدني السوري أرواح 49 متطوعاً وجرح 163 آخرين على يد القوات الروسية.
الاستجابة لـ 265 مجزرة
استجابت فرق الدفاع المدني السوري لـ 265 مجزرة ( كل هجوم خلف 5 قتلى وأكثر) ارتكبتها القوات الروسية منذ بدء تدخلها العسكري المباشر لصالح قوات النظام في 30 أيلول 2015، أدت تلك المجازر لمقتل 2784 مدنياً بينهم 873 طفلاً و552 امرأة، وإصابة 3442 آخرين، بينهم 884 طفلاً، و753 امرأة، ارتكبت معظم المجازر خلال استهداف منازل المدنيين والأسواق والأماكن المكتظة، بهدف إيقاع أكبر عدد ممكن من المدنيين
المرافق المستهدفة
تركزت الهجمات الروسية على مراكز المدن ومنازل المدنيين والمرافق الحيوية، بهدف تهجير المدنيين وتدمير كافة أشكال الحياة التي تدعم استقرارهم، حيث استهدف 3837 هجوماً منازل المدنيين أسفرت عن مقتل 3221 مدنياً، بينهم 1001 طفلاً و651 امرأة، تلتها الاستهدافات للأراضي الزراعية، 981 هجوماً أسفرت عن مقتل 102 شخصاً، بينهم 27 طفل و14 امرأة، ثم الطرق 336 هجوماً أسفرت عن مقتل 123 شخصاً، بينهم 22 طفلاً و10 نساء.
وكانت الهجمات على الأسواق الشعبية من الهجمات الأكثر دموية إذ استهدف 54 هجوماً الأسواق الشعبية المزدحمة، ممّا أسفر عن مقتل 356 شخصاً، من بينهم 78 طفلاً و53 امرأة.
كما استهدفت الهجمات الروسية على نحو ممنهج المرافق المدنية العامة والمنشآت الحيوية التي تنص كافة المواثيق الدولية على تحييدها في النزاعات، حيث تعرضت المشافي لـ 70 هجوماً أدت لخروج معظمها من الخدمة بعد تدمير المباني والمعدات، على الرغم من أن إحداثيات معظم هذه المواقع هي ضمن مناطق يجري بها فض الاشتباك بين الأمم المتحدة وروسيا، حيث أدت الاعتداءات على المشافي إلى مقتل 42 مدنياً وجرح 145 آخرين.
كما طال 72 هجوماً الغابات، و64 هجوماً مراكز وفرق الدفاع المدني السوري، و49 هجوماً المباني العامة، و46 هجوماً المدارس، كما استهدفت الاعتداءات الروسية المساجد والمخابز ومخيمات النازحين وغيرها من المنشآت العامة والحيوية.
إذ بات القصف الروسي المباشر والمتعمد للمنشآت الحيوية بشكل عام ومزارع تربية الدواجن بشكل خاص يشكل خطراً على مقومات البقاء ومصادر دخل مئات الأسر في شمال غربي سوريا، ويؤدي إلى ارتفاع كبير في أسعار المواد الأساسية ويشكل خطراً كبيراً يهدد الثروة الحيوانية في شمال غربي سوريا، ووسيلة للضغط على العائلات التي لم يبق لها شيء بعد سنوات من الصراع، ولإجبارهم على ترك أراضيهم هرباً من القصف ولتعزيز انعدام الأمن الغذائي، والاعتماد الكامل على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة.
وثق الدفاع المدني السوري خلال الأعوام الثلاثة الماضية 14 اعتداءً على الأقل على مزارع تربية الدواجن في العديد من القرى في ريفي إدلب وحلب من أبرزها معرة مصرين و كفردريان والجديدة، أدت لقتلى وجرحى بين المدنيين، ونفوق آلاف الدواجن.
الاعتداءات الروسية حسب المحافظات
شملت الاعتداءات الروسية 1112 قرية وبلدة ومدينة في 8 محافظات، توزعت الهجمات الروسية التي يبلغ عددها أكثر من (5741) هجوماً منذ بدء التدخل على أغلب المحافظات السورية وكان لإدلب النصيب الأكبر منها، بواقع (3511 )هجوماً، فيما تم استهداف حلب وريفها بـ (1190) هجوماً تلتها حماة بـ ( 525) هجوماً، كما شملت الاعتداءات الروسية كذلك محافظات ريف دمشق ودرعا، وحمص واللاذقية ودمشق خلال الأعوام الماضية.
أبرز الاعتداءات الروسية خلال عام 2023
عاود الطيران الحربي الروسي اعتداءاته في 26 أيار2023 بعد توقفها منذ كانون الأول 2022، إذ شن ثلاث هجمات خلال شهر أيار، كما كثف الطيران الحربي الروسي غاراته في شهر حزيران حيث شن تسع هجمات تسببت بمقتل 11 رجل وإصابة 61 شخص بجروح من بينهم عشرة أطفال.
كما استهدف الطيران الحربي الروسي مزرعة في قرية الناجية بريف جسر الشغور بريف إدلب الغربي بتاريخ 24 حزيران مما أسفر عن مقتل رجلين.
واستهدف الطيران الحربي الروسي سوقًا للخضار في مدينة جسر الشغور بريف إدلب بتاريخ 25 حزيران، مما أسفر عن مقتل تسعة رجال وإصابة 61 شخصاً، بينهم عشرة أطفال.
واستهدفت الطائرات الحربية الروسية منزلاً في مزرعة أبقار في قرية عين الشيب، بتاريخ 5 آب، مما أدى إلى مقتل ثلاثة مدنيين (رجل وزوجته وابنهما) وإصابة ستة آخرين، بينهم امرأة.
وتعرضت محطة ضخ مياه شرب خارجة عن الخدمة على أطراف قرية عين شيب في ريف إدلب الغربي، لغارات جوية روسية بتاريخ 22 آب، ما أدى إلى مقتل مدنيين اثنين وإصابة خمسة آخرين بينهم طفلة وطفل وامرأة.
سياسة الأرض المحروقة:
اتبعت روسيا سياسة الأرض المحروقة على مدى السنوات الثمانية الماضية، وتنوعت الأسلحة المستخدمة بالهجمات على المدنيين من قبل القوات الروسية، وكان غالبيتها العظمى بالغارات الجوية، حيث استجابت فرق الدفاع المدني لما مجموعه 5286 غارة جوية روسية، كما استخدمت القوات الروسية القنابل العنقودية المحرمة دولياً في 319 هجوماً، وكذلك استخدمت الأسلحة الحارقة في 130 هجوماً، شنت روسيا كذلك أربع هجمات باستخدام طائرات دون طيار، وهجومين باستخدام صواريخ أرض أرض من البوارج الحربية.
كما تواصل روسيا تزويد نظام الأسد بمختلف أصناف الأسلحة التي يستخدمها في قتل المدنيين، وأحدثها قذائف مدفعية موجهة بالليزر من نوع (كراسنوبول)وهي ذات دقة عالية تستخدمها قوات النظام في استهداف المدنيين وفرق الدفاع المدني السوري، مما أدى لوقوع عدد كبير من الضحايا خصوصاً خلال عام 2021 نتيجة استخدام قوات النظام هذا النوع من السلاح، بغية إيقاع أكبر عدد ممكن من الضحايا.
التضليل الإعلامي…الحرب الأخطر
كان القتل والاستهداف الممنهج للمتطوعين مرتبط بشكل وثيق مع الحرب الإعلامية التي دأبت روسيا على ممارستها بشكل ممنهج وحتى قبل عدوانها على السوريين، المعلومات المضللة كانت تهدف بشكل مباشر لتشويه صورة المتطوعين ووصفهم بالإرهابين لتسهيل العملية اللاحقة وهي القتل، لتكون المعادلة "قتلنا إرهابيين"، في الوقت الذي يقوم فيه المتطوعون بمهمات إنسانية عظيمة تتمثل بإنقاذ الأرواح ومساعدة المدنيين الذين يتعرضون لهجمات إرهابية وحشية متعمدة من النظام وروسيا، هذا التوصيف يعني الموت فهو تبرير للهجمات واستهداف المتطوعين، باعتبار العمال الإنسانيين محيدين بموجب القانون الدولي الإنساني واستهدافهم هو جريمة حرب، بينما عندما يكون هناك محاولات لنزع هذه الصفة عنهم يعني ذلك أنهم باختصار هدف مشروع لروسيا، وهذا ما حاولت روسيا طوال سنوات على صناعته.
محاولة تشويه صورة متطوعي الخوذ البيضاء طوال سنوات كانت تهدف لرسم صورة ذهنية سلبية، وذلك بهدف قطع الطريق أمام وصول الوثائق التي تملكها المؤسسة إلى المحافل الدولية لما فيها من إدانة واضحة لانتهاكات النظام وروسيا بحق السوريين.
التضليل الإعلامي الروسي بشكل موجّه لمهاجمة الخوذ البيضاء على كافة المستويات، سواء كمؤسسة أو كأفراد، ومحاولة تشويه صورتها واتهامها بتنفيذ هجمات كيماوية أو فبركة هجمات كيماوية، أو فبركة عمليات الإنقاذ، وهذا كان بإطار محاولة تضليل الرأي العام والإساءة للقضية السورية ككل لكون استهداف الخوذ البيضاء هو جزء من حملة ممنهجة ضد مشروع التغيير في سوريا وأي جهة تعتبر جزء من هذا المشروع.
الإفلات من العقاب على جرائم الحرب واستخدام سوريا كساحة اختبار للأسلحة الروسية
لم تكن هناك مساءلة حتى الآن عن استخدام روسيا غير المتناسب والعشوائي للأسلحة ضد المدنيين والبنية التحتية المدنية في سوريا، وقد شجع هذا الإفلات من العقاب روسيا على تجربة أسلحة جديدة في المناطق المدنية، وفي نفس الوقت تستخدم روسيا سوريا كاختبار لإرادة المجتمع الدولي لمنع ومحاكمة الفظائع ضد المدنيين.
يدق الدفاع المدني السوري ناقوس الخطر مؤكداً أنه يتم استهداف المدنيين وقتلهم بدقة وعمد، ويجب على المجتمع الدولي أن يتصدى للإفلات من العقاب وأن يحمي المدنيين والقوانين التي تنظم استخدام القوة.
ثماني سنوات مرت على بدء الهجمات الإرهابية من القوات الروسية على المدنيين في سوريا بهدف دعم نظام الأسد، دون بوادر بوقفها والبدء بالحل السياسي وفق قرار مجلس الأمن 2254 والذي على ما يبدو سيبقى حبراً على الورق، وعلى المدى الطويل.
تحقيق العدالة والسعي إليها بإصرار يجب أن تكون أولوية للبشرية حتى لا يشعر أي دكتاتور أو بلد أن لديه الضوء الأخضر لارتكاب الفظائع والانتهاكات، إذا تمت محاسبة القوات الروسية وحليفها نظام الأسد على جرائمهم، هذا يعني أنه أي مستبد ومجرم في العالم سيُحاسب مستقبلاً، لكن إفلاتهم من العقاب يعني أن الجريمة التالية ستكون مسألة وقت فقط.
للاطلاع على التقرير كاملاً وتحميله: ?
No related posts yet
Please check back soon!