على أبواب السنة السابعة من التدخل الروسي...لا بوادر لوقف قتل وتهجير السوريين

أثبتت روسيا بكل وضوح أنها لا تهتم بالانهيار الاقتصادي أو في دمار البنى التحتية أو في تهجير السكان، أو بانهيار النظام الصحي أو التعليمي، ما يهمها فقط هو مصالحها بالسيطرة على الموارد الطبيعية وتأمين قواعد عسكرية تؤمن وجود طويل الأمد لها في شرق المتوسط

يقف السوريون على أبواب السنة السابعة من التدخل العسكري الروسي المباشر لدعم نظام الأسد في حربه عليهم، بعد أن مضت ست سنوات على أولى الغارات الروسية التي كانت في 30 أيلول 2015، لتضاف إلى خمس سنوات سابقة بدأها نظام الأسد، ذاقوا فيها وأطفالهم شتى أنواع القتل والتهجير، وعلى ما يبدو لن يكون هذا العام إلا استمراراً في نفس السياسة، والتي بات من الواضح أن هدفها الأهم هو إجهاض أي مشروع للتغيير في سوريا ينتج بديلاً عن نظام الأسد، وبدت تتجلى بوضوح أيضاً أهداف روسيا السياسية بتحويل القضية السورية لورقة ابتزاز تحصّل فيها مكاسب في جميع الملفات العالقة في المنطقة والعالم، عبر عرقلة أي حل سياسي في سوريا للحفاظ على مكتسباتها التي استحوذت عليها كثمن لدعمها نظام الأسد.

وسخّرت روسيا في سبيل ذلك آلتها العسكرية للفتك بالسوريين، مستخدمة سياسة الأرض المحروقة، ومفتخرة بتحويل أجساد السوريين ومنازلهم لساحة حرب لتجريب أسلحتها و الترويج لبيعها، ما خلف نتائج كارثية بالجانب الإنساني بعدد الضحايا والمجازر وعمليات التهجير، وبالجانب المادي بتدمير البنية التحتية ومسح مدن وبلدات بأكملها عن الوجود.

ورغم وقف إطلاق النار في شمال غربي سوريا، و الذي دخل حيز التنفيذ في 6 آذار 2020 وكانت روسيا طرفاً وضامناً فيه فإنها ما تزال مستمرة في هجماتها العسكرية الداعمة لنظام الأسد، ما يهدد سلامة أكثر من 4 ملايين مدني نصفهم مهجرون.

أكثر من 12 ألف مدني بين قتيل وجريح

أدت الهجمات الروسية البالغ عددها بحسب توثيقات الدفاع المدني السوري (5586) هجوماً ـ وهذه ليست كل الهجمات إنما فقط ما استجابت له الفرق، يوجد عدد كبير من الهجمات لم تتمكن الفرق من الاستجابة لها كما أنها لاتشمل الهجمات المشتركة بين نظام الأسد وروسيا ـ أدت الهجمات على مدى السنوات الست الماضية لمقتل أعداد كبيرة من المدنيين، ووثقت فرقنا خلال الفترة الممتدة من 30 أيلول 2015 حتى 20 أيلول 2021 مقتل 4018 مدنياً بينهم أطفال ونساء، وتعبّر هذه الأرقام عن المدنيين الذين استجابت لهم فرقنا وقامت بانتشال جثثهم، لأن عدداً كبيراً يتوفى بعد إسعافه، أو بعد أيام من إصابته أو لم تتمكن فرقنا من انتشالهم، وهذه الأعداد لا توثقها فرقنا، وتمكنت فرقنا من إنقاذ 8272 مدنياً أصيبوا جراء الغارات والقصف الروسي.

المجازر الموثقة

وثق الدفاع المدني السوري خلال ست سنوات من التدخل الروسي، أكثر من 272 هجوماً من قبل القوات الروسية أوقع كل هجوم منها أكثر من 10 ضحايا (قتلى ومصابون) وتسببت تلك الهجمات بمقتل 2448 شخصاً، فيما أصيب 4658 شخصاً آخر، من بين إجمالي الهجمات وثق الدفاع المدني السوري 260 هجوماً تسبب كل منها بوقوع مجزرة (5 قتلى وأكثر) خطفت تلك المجازر أرواح 2752 شخصاً على الأقل.

المرافق الحيوية والأماكن المستهدفة

تركزت الهجمات الروسية على مراكز المدن ومنازل المدنيين والمرافق الحيوية، بهدف تهجير المدنيين وتدمير كافة أشكال الحياة التي تدعم استقرارهم، حيث استهدفت 68٪ من تلك الهجمات منازل المدنيين بواقع (3805 هجوماً)، فيما كانت الحقول الزراعية بالمرتبة الثانية 16٪ من الهجمات (885 هجوماً)، ومن ثم المحال التجارية 6٪ (330 هجوماً) ومن ثم المشافي والمراكز الطبية بـ (70 هجوماً) ومراكز الدفاع المدني (60) هجوماً، والأسواق الشعبية بـ (53 هجوماً) والمدارس (46) هجوماً، و (23 هجوماً) استهدف مخيمات تأوي نازحين، و(35) هجوماً استهدف مساجد وأماكن عبادة، (18) هجوماً استهدف أفراناً، إضافة لعشرات الهجمات التي استهدفت مبانٍ عامة ومحطات وقود وغيرها من المرافق.

الهجمات على الدفاع المدني السوري

استهدفت القوات الروسية بشكل مباشر فرق الدفاع المدني السوري أثناء عملهم على إنقاذ المدنيين، وقتلت 36 متطوعاً وجرحت 163 متطوعاً آخر منذ بدء تدخلها المباشر عام 2015، وقتل المتطوع "عبد اللطيف الضحيك" بتاريخ 30-9-2015 في مدينة تلبيسة بريف حمص الشمالي، بعد استهداف الأحياء السكنية للمرة الأولى بالطيران الحربي الروسي، كما تعرض أكثر من 60 مركزاً للهجوم، ما تسبب بدمارها بشكل جزئي أو كامل.

التوزع الجغرافي والزمني للهجمات

توزعت الهجمات الروسية التي يبلغ عددها (5586) هجوماً منذ بدء التدخل على أغلب المحافظات السوري وكان لإدلب النصيب الأكبر منها، بواقع (3375 )هجوماً وتشكل 60% من الهجمات، فيما تم استهداف حلب وريفها بـ (1175) هجوماً تلتها حماة بـ ( 521) هجوما، ثم وريف دمشق بـ (255 هجوماً) وتعرضت درعا لـ (205) هجمات، إضافة لأكثر من ( 50) هجوما على حمص ودمشق.

وتوزعت تلك الهجمات ( 5586 ) هجوماً بحسب الفترات الزمنية،(194) هجوماً في 2015، و(1064) هجوماً في 2016، و(1041) هجوماً في 2017، و(804) هجمات في 2018، و( 1567) هجوماً في 2019 وهو العام الأعنف بالهجمات، و(821) هجوماً في 2020، (98) هجوماً في 2021.

الأسلحة المستخدمة

اتبعت روسيا سياسة الأرض المحروقة في دعمها لقوات النظام على مدى السنوات الستة الماضية، وتنوعت الأسلحة المستخدمة بالهجمات على المدنيين من قبل القوات الروسية، وكان معظمها بالغارات الجوية بنسبة 92٪ من الهجمات وبلغ عددها (5131) غارة جوية، فيما شنت روسيا (319) هجوماً بالقنابل العنقودية المحرمة دولياً، و استخدمت كذلك الأسلحة الحارقة في (130) هجوماً على المدنيين، و 4 هجمات بطائرات درون، وهجومان بـ صواريخ أرض ـ أرض.

وتدعم روسيا قوات النظام بشكل مباشر بالأسلحة التي يستخدمها كما زودته بقذائف مدفعية موجهة بالليزر من نوع (كراسنوبول)وهي ذات دقة عالية تستخدمها قوات النظام في استهداف المدنيين وفرق الدفاع المدني السوري، ما أدى لوقوع عدد كبير من الضحايا خلال أشهر حزيران وتموز وآب حيث كثفت قوات النظام استخدامها لهذا النوع من السلاح، وهذا ما يؤكد أن القصف ممنهج بهدف إيقاع أكبر عدد ممكن من الضحايا.

تهجير ممنهج يمتد من درعا إلى إدلب

مع بدء التدخل الروسي لصالح نظام الأسد في سوريا ازدادت حملات التهجير وإفراغ المدن، وكانت أولى نتائج ذلك التدخل بتدمير الأحياء الشرقية في مدينة حلب في عام 2016 وتهجير سكانها، لينتقل بعدها التهجير إلى ريف دمشق الغربي وأحياء دمشق الشرقية عام 2017، وكان عام 2018 هو عام التهجير بامتياز، حيث شمل الغوطة الشرقية والقلمون بريف دمشق وأحياء دمشق الجنوبية، وريف حمص الشمالي، إضافة للجنوب السوري الذي يضم القنيطرة ودرعا.

ولم تتوقف حملات التهجير التي كانت تترافق بقصف مكثف من قبل الطيران الحربي الروسي، ووصفت الأمم المتحدة موجات النزوح التي شهدها الشمال السوري خلال الحملة العسكرية للنظام العام الماضي، بأنها الأكبر بتاريخ سوريا، حيث أجبر أكثر من 1,182,772 مدنياً على ترك منازلهم والهرب من الموت خلال عام 2019، فيما بلغ عدد النازحين منذ تشرين الثاني 2019 حتى نهاية شباط 2020 أكثر من 1,037,890 شخص، منهم من نزح أكثر من خمس مرات على فترات متفرقة بالتزامن مع الحملات العسكرية التي شنها النظام وروسيا على مناطقهم في أرياف إدلب وحماة وحلب، بالإضافة إلى المدن القريبة من خطوط التماس كأريحا وسرمين ودارة عزة والأتارب.

وتوجه نصف مليون نازح إلى مخيمات الشريط الحدودي مع تركيا والتي كانت تضم نحو مليون نازح ليرتفع العدد فيها إلى مليون ونصف مليون نازح، في حين توجه القسم الأخر إلى ريفي حلب الشمالي والشرقي (عفرين واعزاز والباب وجرابلس).

وما تزال عودة النازحين في الشمال السوري، إلى مناطقهم في ريفي إدلب وحلب التي هجرهم منها النظام وحليفه الروسي خلال الحملة العسكرية الأخيرة محدودة رغم وقف إطلاق النار الذي تم التوقيع عليه في 5 آذار ويخرق النظام وروسيا بشكل يومي وقف إطلاق النار ويستهدفون بقصف جوي وأرضي منازل المدنيين.

وبعد ثلاث سنوات من سيطرة قوات النظام على محافظة درعا عادت المحافظة من جديد منتصف هذا العام لواجهة الأحداث بعد رفض السكان المشاركة في مسرحية "الانتخابات الرئاسية" لتبقى المدينة وريفها والتي كانت أولى البيئات السورية المُطالبة بالتغيير، هدفاً لهجمات انتقامية وعقاب جماعي كما كانت طوال عشر سنوات.

وكان الهدف الأساسي من التصعيد الأخير على المحافظة هو التغيير الديمغرافي وتهجير سكانها، وهو ما يثبت أن روسيا لم تكن يوماً ضامناً بل طرفاً في قتل السوريين وشريكاً في جرائم الحرب والتهجير التي يرتكبها نظام الأسد والمليشيات الموالية له.

هدن واتفاقيات زائفة

اتبعت روسيا منذ تدخلها العسكري بشكل مباشر في سوريا، سلسة فرض هدن شكلية بهدف التفرد والسيطرة على الأرض بحجج خرق هذه الهدن وتكررت تلك الهدن الزائفة والتي كانت بالغالب من طرف روسيا والنظام فقط، دون أي ضمانات دولية، وكانت تسبق أي حملة عسكرية، ومن أهم تلك الاتفاقيات والتي بالرغم من أن روسيا شاركت فيها لكنها تنصلت منها وكانت آثارها كارثية، هي اتفاق خفض التصعيد الذي وقّع في آيار عام 2017 وتضم مناطق خفض التصعيد محافظة إدلب وأجزاء معينة من المحافظات المجاورة (اللاذقية، حماة، وحلب)، ومناطق من شمال محافظة حمص، والغوطة الشرقية، ومناطق محددة من جنوبي سوريا (محافظتي درعا والقنيطرة)، ولم تلتزم روسيا بالاتفاق واستولت على تلك المناطق واحدة تلو الأخرى بعد أن دمرتها ولم يبقَ إلا منطقة خفض التصعيد الأولى والتي تضم إدلب وأجزاء من حلب واللاذقية وحماة.

وفي 17 أيلول من عام 2018 توصلت تركيا وروسيا لاتفاق سوتشي حول إدلب، ولكن روسيا أيضا خرقت هذا الاتفاق، ودعمت قوات النظام بشن حملة عسكرية على الشمال السوري في 26 نيسان عام 2019، واستمرت حتى 5 آذار من عام 2020، حيث تم توقيع اتفاق وقف إطلاق النار ودخل حيز التنفيذ في 6 آذار، ولكن قوات النظام وروسيا تخرق بشكل يومي وقف إطلاق النار وتهدد بشكل دائم بشن حملة عسكرية جديدة.

غطاء سياسي

منذ عام 2011 لم تتوانَ روسيا عن دعم نظام الأسد سياساً في الأمم المتحدة ومجلس الأمن وكثفت دعمها السياسي بعد تدخلها العسكري المباشر عبر استخدام حق الفيتو 16 مرة في مجلس الأمن الدولي وكان أخرها التصويت ضد تمديد التفويض لآلية إدخال المساعدات العابرة للحدود و الضغط للاقتصار على معبر واحد العام الماضي، وحقوقياً عبر التصويت دائماً ضد كافة قرارات مجلس حقوق الإنسان، وضدَّ تمديد عمل لجنة التحقيق الدولية في سوريا، وضدَّ إنشاء آلية التحقيق المحايدة المستقلة، وضدَّ عمل لجنة نزع الأسلحة الكيميائية.

كما جددت روسيا خلال هذا العام في شهر حزيران محاولة عرقلة تمديد آلية إدخال المساعدات عبر الحدود لشمال غربي سوريا، ورفضت مقترحاً لتوسيع الآلية وأصرت على اقتصارها على معبر باب الهوى لمدة ستة أشهر، أي حتى 10 كانون الثاني 2022 فقط مع تمديد ستة أشهر إضافية دون الحاجة للتصويت.

المصالح الروسية في سوريا

لقد أثبتت روسيا بكل وضوح أنها لا تهتم في الانهيار الاقتصادي أو في دمار البنى التحتية أو في تهجير السكان، أو بانهيار النظام الصحي أو نظام التعليم، ولا قيمة لانعدام القدرة على تأمين أيّ من الخدمات الأساسية للسكان في سوريا بما فيهم الموالون للنظام، ما يهمها فقط هو مصالحها وهذا ما حققته بتدخلها المباشر، عبر السيطرة على الموارد الطبيعية وتأمين قواعد عسكرية برية وبحرية وجوية تمكنها من فرض وجود طويل الأمد في شرق المتوسط، وفيما بات من الواضح أن حفاظ روسيا على وجود نظام الأسد هو لتأمين مبرر شرعي لوجودها ما يعني أن الحل السياسي ليس من مصلحتها حتى لا تخسر الامتيازات التي حصلتها.

ست سنوات مرت على بدء المحرقة الروسية بحق المدنيين في سوريا بهدف دعم نظام الأسد، دون بوادر بوقفها والبدء بالحل السياسي وفق قرار مجلس الأمن 2254 والذي على ما يبدو سيبقى حبراً على الورق، فيما تعطل روسيا مجلس الأمن عبر الاستخدام المتكرر للفيتو، وستستمر بذلك على المدى الطويل فيما يبدو.

إنّ ما قامت به روسيا على مدى سنوات من قتل المدنيين وتدمير البنية التحتية وقصف المشافي والمدارس والأسواق هي جرائم حرب ويجب ألا تبقى دون حساب، وإنّ استمرار الصمت الدولي والأممي سيطلق يدها أكثر في مواصلة استهداف المدنيين وتهديد لحياة أكثر من 4 ملايين مدني في شمال غربي سوريا.

المجتمع الدولي مطالب بالوقوف أمام مسؤولياته وحماية المدنيين في سوريا، والسعي الجاد لمحاسبة مرتكبي الجرائم، عبر آليات جديدة تمنع روسيا من عرقلتها، الإنسانية جمعاء أمام اختبار حقيقي ولكن يبدو أنها سقطت في سوريا بصمت أمام المصالح التي ثبت أنها المتحكم الحقيقي والأقوى.

للإطلاع على التقرير كاملاً:

No related posts yet
Please check back soon!