الألغام والذخائر غير المنفجرة…إرث قاتل يلاحق السوريين

استجاب الدفاع المدني السوري خلال عام 2021 والربع الأول من عام 2022 لـ 20 انفجاراً لمخلفات الحرب خلفت 15 قتيلاً بينهم 8 أطفال، فيما أصيب 27 شخصاً، وتمثل هذه الأرقام الحوادث التي استجابت لها فرقنا فقط.

مع بدء الانتفاضة السورية عام 2011 عمد نظام الأسد لقمع التحركات الشعبية بمختلف أنواع وصنوف الأسلحة التقليدية وغير التقليدية، وزادت وتيرة القصف وبشكل ملحوظ مع بداية التدخل الروسي في سوريا في 30 أيلول 2015 حيث قامت القوات الروسية بإستخدام أنواع جديدة من الذخائر المختلفة واعتبرت الأرض السورية بمثابة حقل حقيقي لتجربة كافة أنواع الأسلحة.

ولا يقتصر خطر القصف والهجمات العسكرية على الأثر المباشر من قتل وتدمير للبنية التحتية والمنازل، هناك مخاطر أخرى كبيرة، هي إرث ثقيل يمتد لسنوات ويلاحق المدنيين، آلاف من الذخائر التي تقصف بها المدن والأراضي الزراعية لا تنفجر وتبقى بين المنازل والأراضي الزراعية محتفظة بقدرتها على القتل.

وسجلت سوريا الحصيلة الأعلى في العالم خلال عام 2020 بعدد الضحايا الذين قتلوا أو أصيبوا بسبب الألغام الأرضية ومخلفات الحرب، بحسب التقرير السنوي للتحالف الدولي للقضاء على الذخائر العنقودية والحملة الدولية لحظر الألغام الأرضية (ICBL-CMC)، ووثق التقرير مقتل وإصابة (2729) شخصاً في سوريا أغلبهم كانوا مدنيين، ونصفهم من الأطفال، من أصل (7073) قتلوا أو أصيبوا في العالم في عام 2020، وأشار التقرير إلى أن حصيلة الضحايا التي سجلها في سوريا هي الأعلى في عام واحد منذ أن بدأ المرصد بمراقبة حصيلة ضحايا الألغام في عام 1999.

ضحايا مخلفات الحرب في شمال غربي سوريا

ما تزال أعداد كبيرة من الذخائر غير المنفجرة والألغام موجودة بين منازل المدنيين، وفي الأراضي الزراعية وفي أماكن لعب الأطفال، ناجمة عن قصف ممنهج للنظام وروسيا استمر على مدى سنوات ومايزال حتى الآن، وستبقى قابلة للانفجار لسنوات أو حتى لعقود قادمة، ومع وجود تلك الذخائر وانتشارها في جميع أنحاء سوريا، ستستمر الخسائر لفترة طويلة حتى في حال انتهاء الحرب، و تتركز جهود الدفاع المدني السوري على التعامل مع هذا الواقع المؤلم والحفاظ على أرواح المدنيين، عبر إزالة تلك الذخائر و توعية المدنيين من خطرها، وإن الأعمال المتعلقة بالألغام وإزالة الذخائر غير المنفجرة هي استثمار في الإنسانية، فهي تساعد في رعاية المجتمعات وإعادة إحيائها، وتمكين النازحين داخليا العودة إلى منازلهم، والأطفال من الوصول لمدارسهم و أماكن لعبهم بأمان.

واستجاب الدفاع المدني السوري خلال عام 2021 والربع الأول من عام 2022 لـ 20 انفجاراً لمخلفات الحرب خلفت 15 قتيلاً بينهم 8 أطفال، فيما أصيب 27 شخصاً، وتمثل هذه الأرقام الحوادث التي استجابت لها فرقنا فقط.

القنابل العنقودية مخلفات الحرب الأخطر

جميع الذخائر غير المنفجرة بمختلف أنواعها خطرة، ولا تختلف نسبة الخطورة بين نوع أو آخر، لكن القنابل العنقودية بسبب استخدامها المكثف من قبل النظام وروسيا، وانخفاض نسبة انفجارها الفورية بعد وصولها إلى الأرض مقارنة بباقي أنواع الذخائر الأخرى وانتشارها الواسع بسبب طبيعة انفجار الحواضن التي تلقيها الطائرات أو التي تحملها الصواريخ، يمكننا القول أنها شكلت الأخطر الأكبر.

لا تستهدف الذخائر العنقودية هدفا محددا، فهي تنتشر بشكل عشوائي في مناطق واسعة، وقد تصل نسبة القنابل التي لا تنفجر مباشرة بعد ارتطامها بالأرض لنحو 40% ما يؤدي إلى نتائج مدمرة لأي شخص يصادفها لاحقاً.

وأصدر التحالف الدولي للقضاء على الذخائر العنقودية والحملة الدولية لحظر الألغام الأرضية (ICBL-CMC) تقريره السنوي الثاني عشر نهاية العام الماضي لرصد استخدام الأسلحة العنقودية في العالم

خلصَ التقرير إلى أن سوريا هي الدولة الوحيدة في العالم التي تشهد استخداماً مستمراً للأسلحة العنقودية منذ عام 2012، وسجل أعلى حصيلة للضحايا في سوريا في عام 2020، حيث شكلت الحصيلة فيه أكثر من نصف الحصيلة الإجمالية (52%) للضحايا على مستوى العالم.

وذكر التقرير، أنه تم تسجيل 147 ضحية جراء انفجار مخلفات ذخائر عنقودية في عام 2020، الأمر الذي يُشير إلى خطورة انتشار مخلفات الذخائر العنقودية وتداعيات استخدامها.

أماكن انتشار مخلفات الحرب

تنتشر مخلفات الحرب في عموم مناطق سوريا التي باتت ساحة حرب لتجريب واختبار الأسلحة الروسية، فحجم الترسانة العسكرية الهائل التي تم قصف المدنيين فيها، كبير جداً وانتشرت مخلفات الحرب في المدن والقرى وفي الأحياء السكنية وفي الأراضي الزراعية، ولا يقتصر خطر مخلفات الحرب بما تخلفه من ضحايا فقط، فلها آثار آخرى إذ تمنع المزارعين من الوصول إلى أراضيهم وتشكل خطر على حياتهم ، وتمنع الصناعيين من العمل في بعض الورشات التي طالها القصف، كما تؤثر تلك المخلفات على عودة السكان لمنازلهم ولاسيما في المناطق التي تعرضت للقصف بشكل مكثف.

وتنتشر مخلفات الحرب بشكل كبير في جميع أنحاء شمال غربي سوريا، وتكثر في منطقة سهل الغاب وقرب مدينة جسر الشغور والمناطق الشرقية لمدينة إدلب (سرمين - بنش - تفتناز) وجنوب إدلب في جبل الزاوية، وريف حلب الغربي، ومنطقة الباب وعفرين في ريف حلب.

جهود الدفاع المدني السوري لإزالة الذخائر غير المنفجرة

تقوم فرق متخصصة في الدفاع المدني السوري في التعامل مع أنواع محددة من مخلفات الحرب وهي أحد أخطر الخدمات وأصعبها،و تضم عدة نشاطات مختلفة منها المسح لتحديد المناطق الملوثة وعمليات التوعية، وعمليات التخلص بشكل نهائي من الذخائر، وبدأت فرق الذخائر غير المنفجرة العمل على إزالة مخلفات الحرب في الدفاع المدني السوري بداية عام 2016 لمواجهة هذا التحدي الذي يهدد حياة آلاف المدنيين يومياً في ظل عدم وجود أي جهة تعمل في هذا المجال.

ويمكن أن نقسم آلية عمل فرق (UXO) المتخصصة بمسح وإزالة الذخائر غير المنفجرة في الخوذ البيضاء على 3 مراحل متداخلة، ولابد من التنويه إلى أن فرقنا لا تقوم بإزالة الألغام وينحصر عملها فقط بإزالة الذخائر غير المنفجرة من مخلفات القصف.

1ـ عمليات المسح: وتتم بكافة مناطق شمال غربي سوريا، وتقوم الفرق التي يبلغ عددها 6 فرق بوسم المناطق الملوثة بالذخائر تمهيداً لإزالتها، وقامت فرق المسح في عام 2021 وخلال الربع الأول من عام 2022 بإجراء (850) عملية مسح، تم فيها تحديد أكثر من (500) منطقة ملوثة، وبعد تحديد المناطق الملوثة بالذخائر ترسم الخرائط وترسل لفرق الإزالة، لتعمل بدورها للتخلص منا كل ذخيرة بشكل منفرد دون نقلها من مكانها.

2ـ الإزالة (التخلص النهائي): وهي المرحلة الأخيرة فبعد الوصول للمنطقة الموسومة تجري عملية بحث في المكان الملوث بشكل دقيق وتتم عملية إتلاف الذخائر (كل ذخيرة على حدى) بحرفية عالية ومهنية من قبل الفرق التي تحرص على إتلافها بشكل كامل، و قامت خلال عام 2021 والربع الأول من عام 2022 بـ 749 عملية إزالة لمخلفات الحرب تم خلالها إتلاف إتلاف 859 ذخيرة.

يبلغ عدد فرق الإزالة 6 فرق متوزعة في شمال غربي سوريا قامت حتى الآن بالتخلص من أكثر من 23 ألف ذخيرة متنوعة من بينها أكثر من21 ألف قنبلة عنقودية وضمن إمكانيات محدودة جداً وظروف عمل صعبة للغاية في كثير من الأحيان كلفت 4 شهداء.

وطوال السنوات الماضية عملت فرق الذخائر في الدفاع المدني السوري على توثيق استخدام 60 نوعاً من الذخائر المتنوعة تم استخدامها لقتل المدنيين منها 11 نوع من القنابل العنقودية المحرمة دولياً والتي لم يتوانَ النظام وحليفه الروسي على استخدامها.

3ـ التوعية: وتعتبر عملية التوعية من أهم إجراءات مواجهة خطر الذخائر غير المنفجرة، وتقوم فرق (UXO) المتخصصة بمسح وإزالة الذخائر غير المنفجرة في الخوذ البيضاء بإقامة جلسات توعية للمدنيين لتنبيههم من خطر هذه الذخائر، وركزت على خطر الذخائر المتفجرة وضرورة الابتعاد عن الأجسام الغريبة، وأهمية إبلاغ فرق الدفاع المدني السوري المختصة عنها فوراً، وتساعد فرق التوعية بالدفاع المدني فرق (UXO) بهذه المهمة حيث تشمل عمليات التوعية طلاب المدارس والمخيمات والتجمعات السكانية، وتم تنفيذ 1392 جلسة للتوعية من مخلفات الحرب، خلال عام 2021 والربع الأول من عام 2022، يبلغ عدد المستفيدين منها أكثر من 18 ألف مدني 90% منهم أطفال.

صعوبات وتحديات

هناك جملة من الصعوبات وخاصة أن إزالة مخلفات الحرب هي المهمة الأخطر في العالم والخطأ الأول سيكون الأخير، وفقد الدفاع المدني السوري منذ البدء العمل بإزالة مخلفات الحرب أرواح 4 متطوعين وأصيب آخرون، وتبقى المعوقات الأمنية من أبرز المخاطر أيضاً، لوجود أعداد كبيرة من مخلفات الحرب والذخائر غير المنفجرة بمناطق قريبة من خطوط التماس مع قوات النظام وروسيا وأحياناً يتم استهداف الفرق وما يشكل عائقاً كبيراً على عمل الفرق، وخاصة أن قوات النظام وروسيا تتبع سياسة ممنهجة باستهداف العمال الإنسانيين.

ويوجد معوقات لوجستية تتعلق بعدم توفر المعدات المتطورة، فيما تحتاج كوادر فرق الإزالة (uxo) لتدريبات متقدمة لأن التدريبات التي خضعت لها غير كافية للتعامل مع جميع أنواع الذخائر ومخلفات الحرب ويبقى التعامل محدود مع عدد من المخلفات وتسعى الفرق لكسب المزيد من الخبرات للتعامل مع جميع أنواع الذخائر ومخلفات الحرب.

كما أن كثرة الذخائر غير المنفجرة من مخلفات القصف وخاصة القنابل العنقودية والتي وثقنا استخدام روسيا والنظام لـ 11 نوعاً منها تصعب المهمة بشكل كبير، إضافة لاستمرار قصف قوات النظام وروسيا والذي يؤدي لتلوث مناطق تم تأمينها.

نظام الأسد يتقاعس عن إزالة مخلفات الحرب

يتقاعس نظام الأسد عن توفير بيئة آمنة للمدنيين في المناطق الخاضعة لسيطرته ولا ويعمل على التخلص من مخلفات الحرب والألغام التي قام بزرعها بشكل عشوائي في كثير من المناطق، ودون رسم خرائط لها توضح أماكن وجودها لإزالتها في وقت لاحق، إذ إن المناطق التي سيطر عليها لم تشهد إلى الآن حملات أو عمليات متعلقة بالتخلص أو حتى المسح غير التقني لتحديد المناطق الملوثة بالذخائر وإبعاد خطرها عن المدنيين، لا سيما في المناطق التي شهدت معارك وقصف، مثل أحياء حلب الشرقية ومناطق ريف حماة الشمالي والشرقي، ومدينة دير الزور وغوطتي دمشق وداريا والزبداني، وأحياء من دمشق (مخيم اليرموك والقابون وجوبر وبرزة)، ومحافظة درعا والكثير من المناطق السورية.

ويتبع أسلوباً ممنهجاً بعدم إزالة هذه الذخائر خلال هذه الفترة حتى لو امتلك القدرة على ذلك، لمنع المدنيين من العودة الحقيقة، وبشكل شبه يومي تحدث انفجارات لتلك المخلفات وتؤدي لسقوط ضحايا مدنيين، ما يمنع عشرات آلاف العائلات من العودة إلى منازلها والعمل بأراضيها الزراعية.

إن استمرار نظام الأسد وحليفه الروسي في استخدام الألغام والذخائر العنقودية هو سياسة ممنهجة تهدف لإحداث أكبر ضرر ممكن على السكان وخاصة أن تلك الذخائر غالباً ما يكون ضحاياها من الأطفال، كما تهدف أيضاً لمنع النازحين من العودة إلى منازلهم وزراعة أراضيهم، وهو أحد أساليب الحرب التي تمارس بحق السوريين منذ عام 2011.

الأمم المتحدة والمجتمع الدولي مطالبون بإلزام النظام وحليفه الروسي بالكف عن استخدام الأسلحة المحرمة دولياً وغيرها من الأسلحة في قتل السوريين، وإيجاد أفضل الوسائل لإجبار نظام الأسد على تدمير مخزونه من الألغام والانضمام إلى معاهدة حظر استخدام الذخائر العنقودية، وبضرورة نشر خرائط تفصيلية بالمواقع التي زرع فيها الألغام للعمل على إزالتها، ومن ثم محاسبته على جرائمه بحق السوريين، ويبدو أن تلك الجرائم لن يكون من السهل التخلص منها وستستمر آثارها لعقود قادمة.