في الذكرى التاسعة لبدء العدوان الروسي المباشر على السوريين... هجمات مستمرة وحماية للقاتل من العدالة
"
بعد مضي 9 سنوات على ذلك التدخل أصبح جلياً أن ذريعة روسيا المتمثلة حماية حليف استراتيجي، وتعزيز وجودها العسكري في الشرق الأوسط، واستعادة دورها على الساحة الدولية لم يكن إلّا غطاءً لاغتيال حلم السوريين بالتغيير.
أعلنت روسيا في 30 أيلول 2015 رسمياً تدخلها العسكري المباشر في سوريا لصالح نظام الأسد، معلنةً بذلك انتقالها من موقع الحامي السياسي للنظام إلى الحامي العسكري المباشر، ومتكفلةً بإنقاذه من السقوط والانهيار، وبعد مضي 9 سنوات على إعلانها التدخل المباشر، أثبتت روسيا أن حماية حليفها المتمثل بنظام الأسد، متذرعةً بمصالحها الجيوسياسية، يعلو فوق رغبة السوريين بالتغيير والحياة الكريمة، وأنها مستعدة للتدمير والقتل بلا حدود في سبيل تحقيق هذهِ الغاية، دون أن تكون معنية بأي قوانين دولية والتزامات أخلاقية.
واستخدمت روسيا قوتها العسكرية ضد السوريين بوحشية قل نظيرها في العصر الحالي، متبعةً سياسة الأرض المحروقة، ومتباهية بتحويل أجسادهم ومنازلهم إلى ساحة لاختبار أسلحتها والترويج لها، وقد كان لذلك تبعات كارثية على الصعيد الإنساني من حيث عدد الضحايا المرتفع والمجازر المرتكبة وعمليات التهجير القسري التي تعرض لها السوريون طوال السنوات الماضية، أما على الصعيد المادي فقد رسمت آلة الحرب الروسية دماراً هائلاً على الأرض السوريّة، وحولت المدن والبلدات والقرى السوريّة إلى أكوام من الركام من دون أصحابها وساكنيها الأصليين.
قتل ممنهج وسياسة الأرض المحروقة
سلبَ التدخل الروسي المباشر في سوريا خلال السنوات الـ 9 الماضية أرواح آلاف السوريين، وارتكبت الطائرات الروسية عشرات المجازر بحقهم، وتشير أرقام الدفاع المدني السوري، والتي تعتمد فقط على توثيقات فرق الاستجابة في المؤسسة حتى تاريخ 12 أيلول 2024 إلى مقتل 4073 مدنياً، وجرح 8431 مدنياً جراء 5751 هجوماً شنته روسيا ضد السوريين.
استجابت فرق الدفاع المدني السوري لما مجموعه 265 مجزرة ارتكبتها القوات الروسية منذ بدء تدخلها العسكري المباشر لصالح قوات النظام في 30 أيلول 2015، أدت تلك المجازر لمقتل 2,784 مدنياً بينهم 873 طفلاً و552 امرأة، وإصابة 3,442 آخرين، بينهم 884 طفلاً، و 753 امرأة. ارتكبت معظم المجازر خلال استهداف منازل المدنيين والأسواق والأماكن المكتظة، بهدف إيقاع أكبر عدد ممكن من المدنيين.
المرافق المستهدفة
دأبت روسيا على استهداف المرافق العامة والمؤسسات الخدمية والصحية والتعليمية على مدار 9 سنوات من تدخلها المباشر في سوريا لصالح نظام الأسد حيث تركزت الهجمات الروسية على مراكز المدن ومنازل المدنيين والمرافق الحيوية، بهدف تهجير المدنيين وتدمير كافة أشكال الحياة التي تدعم استقرارهم، واستهدف 3,838 هجوم منازل المدنيين أسفرت عن مقتل 3,221 مدنياً، بينهم 1,001 طفلاً و651 امرأة، تلتها الاستهدافات للأراضي الزراعية، 985 هجوم أسفرت عن مقتل 102 شخصاً، بينهم 27 طفل و14 امرأة، ثم الطرق 336 هجوم أسفرت عن مقتل 123 شخصاً، بينهم 22 طفل و10 نساء. من الجدير بالذكر أن الهجمات على الأسواق الشعبية كانت من الهجمات الأكثر دموية إذ استهدف 54 هجوماً الأسواق الشعبية المزدحمة، ممّا أسفر عن مقتل 356 شخص، من بينهم 78 طفل و53 امرأة.
كما استهدفت الهجمات الروسية على نحو ممنهج المرافق المدنية العامة والمنشآت الحيوية التي تنص كافة المواثيق الدولية على تحييدها في النزاعات، حيث تعرضت المشافي لما مجموعه 70 اعتداء أدت لخروج معظمها من الخدمة بعد تدمير المباني والمعدات، على الرغم من أن إحداثيات معظم هذه المواقع هي ضمن مناطق يجري بها فض الاشتباك بين الأمم المتحدة وروسيا، حيث أدت الاعتداءات على المشافي إلى مقتل 42 مدنياً وجرح 145 آخرين.
كما طال 73 هجوماً الغابات، و64 هجوماً مراكز وفرق الدفاع المدني السوري، و49 هجوماً المباني العامة، و 47 هجوماً المدارس. كما استهدفت الاعتداءات الروسية المساجد والمخابز ومخيمات النازحين وغيرها من المنشآت العامة والحيوية.
إذ بات القصف الروسي المباشر والمتعمد للمنشآت الحيوية بشكل عام ومزارع تربية الدواجن بشكل خاص يشكل خطراً على مقومات البقاء ومصادر دخل مئات الأسر في شمال غربي سوريا، ويؤدي إلى ارتفاع كبير في أسعار المواد الأساسية ويشكل خطراً كبيراً يهدد الثروة الحيوانية في شمال غربي سوريا، ووسيلة للضغط على العائلات التي لم يبق لها شيء بعد سنوات من الصراع، وإجبارهم على ترك أراضيهم هرباً من القصف ولتعزيز انعدام الأمن الغذائي، والاعتماد الكامل على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة.
وثقت الدفاع المدني السوري خلال الأعوام الثلاثة الماضية 14 اعتداء على الأقل على مزارع تربية الدواجن في العديد من القرى في ريفي إدلب وحلب من أبرزها معرة مصرين و كفردريان والجديدة أدت لقتلى وجرحى بين المدنيين، و نفوق آلاف الدواجن.
أبرز الاعتداءات الروسية خلال السنة الـ 9 للتدخل المباشر
لم تغير روسيا من نهجها في السنة التاسعة من تدخلها المباشر في سوريا، واستمرت هجماةٍ قاتلة تقوضُ حياة السوريين، بعد أن حصرتهم حملات التهجير، والتي كانت روسيا راعيها الأول، في بقعة جغرافية ضيقة، وبدأت روسيا غاراتها خلال العام الـ 9 في الـ 6 تشرين الأول من العام الماضي حيث أدى قصفٌ جوي للطائرات الحربية الروسية استهدف بلدة بداما في ريف إدلب الغربي إلى إصابة 14 مدنياً بينهم 4 أطفال و 4 نساء، كما ارتكب الطيران الروسي مجزرة في الـ الـ 24 من الشهر نفسه إذ قتل 5 مدنيين وهم امرأتان شقيقتان إحداهما حامل وجدتهما وطفل لكل واحدةٍ منهما، وأصيب 5 مدنيين آخرين بينهم 3 أطفال أحدهم رضيع، ورجلان آخران مسنان، جراء غارات جوية روسية استهدفت مخيم ""أهل سراقب"" على أطراف بلدة الحمامة في ريف إدلب الغربي، وخلال العام الحالي استهدفت الطائرات الحربية الروسيّة بـ 4 غارات ورشة لتصنيع المفروشات على أطراف مدينة إدلب في الـ 29 شباط، وأدت الغارات إلى مقتل مدني وجرح 5 آخرين بينهم فتى، كما أدت الغارات إلى أضرار كبيرة في ممتلكات المدنيين، واستهدفت غارات جوية روسية أطراف قرية الحمامة بريف جسر الشغور غربي إدلب، قبيل منتصف ليل الـ 11 تموز الماضي بالتزامن مع تعرُضْ مدرسة الثانوية المهنية الخارجة عن الخدمة على أطراف مدينة جسر الشغور لغارات جوية مماثلة دون وقوع إصابات بين المدنيين.
أبرز الاعتداءات الروسية خلال عام 2023
عاود الطيران الحربي الروسي اعتداءاته في 26 أيار 2023 بعد توقفها منذ كانون الأول 2022، إذ شن ثلاث هجمات خلال شهر أيار، كما كثف الطيران الحربي الروسي غاراته في شهر حزيران حيث شن تسع هجمات تسببت بمقتل 11 رجل وإصابة 61 شخصا بجروح من بينهم عشرة أطفال.
كما استهدف الطيران الحربي الروسي مزرعة في قرية الناجية بريف جسر الشغور بريف إدلب الغربي بتاريخ 24 حزيران مما أسفر عن مقتل رجلين.
واستهدف الطيران الحربي الروسي سوقًا للخضار في مدينة جسر الشغور بريف إدلب بتاريخ 25 حزيران، مما أسفر عن مقتل تسعة رجال وإصابة 61 شخصاً، بينهم عشرة أطفال.
واستهدفت الطائرات الحربية الروسية منزلاً في مزرعة أبقار في قرية عين الشيب، بتاريخ 5 آب، مما أدى إلى مقتل ثلاثة مدنيين (رجل وزوجته وابنهما) وإصابة ستة آخرين، بينهم امرأة.
وتعرضت محطة ضخ مياه شرب خارجة عن الخدمة على أطراف قرية عين شيب في ريف إدلب الغربي، لغارات جوية روسية بتاريخ 22 آب، ما أدى إلى مقتل مدنيين اثنين وإصابة خمسة آخرين بينهم طفلة وطفل وامرأة.
المتطوعون هدف للضربات المزدوجة الروسية
لقد جعل عمل الخوذ البيضاء الداعم للمجتمعات التي تتعرض للهجمات أهدافاً بالنسبة للقوات الروسية التي قصفت المراكز عشرات المرات واستهدفت الفرق أثناء قيامهم بواجبهم الإنساني بإنقاذ المدنيين، ظهر بشكل جلي وواضح ماعرف بالضربات المزدوجة، عبر تكرار استهداف نفس المكان بغارة جوية ثانية بعد غارة أولى، بهدف قتل المنقذين والمسعفين الذين يهرعون للمكان.
استهدفت القوات الروسية بشكل مباشر فرق الدفاع المدني السوري أثناء عملهم على إنقاذ المدنيين، وقتلت 49 متطوعاً وجرحت 163 متطوعاً آخر منذ بدء تدخلها المباشر عام 2015، وقتل المتطوع ""عبد اللطيف الضحيك"" بتاريخ 30-9-2015 في مدينة تلبيسة بريف حمص الشمالي في اليوم الأول من العدوان الروسي، بعد استهداف الأحياء السكنية للمرة الأولى بالطيران الحربي الروسي، كما تعرض أكثر من 59 مركزاً للهجوم، ما تسبب بدمارها بشكل جزئي أو كامل.
تضليلٌ ودعم سياسي إلى جانب القتل والتدمير
سبقَ التدخل الروسي المباشر في سوريا، دعمٌ سياسي مطلق لنظام الأسد في مواجهة السوريين بعد انطلاق الحراك السلمي في شهر آذار 2011، وظهر ذلك جلياً في استخدام موسكو حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن 17 مرة لصالح نظام الأسد، لتمنع بذلك اتخاذ أي قرار دولي يساهم أو يساعد في حماية المدنيين السوريين وفق القوانين الدولية، بل وامتد الدعم الروسي إلى مجاراة النظام في حملات التضليل، وتشويه الحقيقة لترتبط هذهِ السياسة لاحقاً بشكل وثيق بسياسة القتل والاستهداف الممنهج، وكانت المعلومات المضللة تهدف بشكل مباشر لتشويه صورة السوريين المنتفضين ومتطوعي الخوذ البيضاء ووصفهم بالإرهابين لتسهيل العملية اللاحقة وهي القتل، لتكون المعادلة ""قتلنا إرهابيين""، وكان التضليل الإعلامي الروسي الموجّه بشكل خاص لمهاجمة الخوذ البيضاء على كافة المستويات، سواء كمؤسسة أو كأفراد، ومحاولة تشويه صورتها واتهامها بتنفيذ هجمات كيماوية أو فبركة هجمات كيماوية، أو فبركة عمليات الإنقاذ، بإطار محاولة تضليل الرأي العام والإساءة للقضية السورية ككل لكون استهداف الخوذ البيضاء هو جزء من حملة ممنهجة ضد مشروع التغيير في سوريا وأي جهة تعتبر جزء من هذا المشروع.
كما تمكنت روسيا من فرض حالة ابتزاز سياسي على الملف الإنساني وربطت استمرار المساعدات مقابل تنازلات هدفها دعم نظام الأسد ومحاولة تعويمه سياسياً، وتوفير غطاء أممي لاستخدام أموال الدول المانحة في إعادة إعمار مؤسسات نظام الأسد وسجونه تحت بند حزم التعافي المبكر، في تحايل واضح على العقوبات الدولية وشروط إعادة الإعمار مستغلة الظروف التي ظهرت بعد زلزال 6 شباط 2023 المدمر، والذي ضاعف الدمار في شمال غربي سوريا وفاقمَ الأزمة الإنسانية للسوريين بعد سنوات من المعاناة جراء حرب النظام وروسيا.
وجاء التوظيف السياسي الروسي لملف المساعدات الإنسانية مستفيداً من الوضع الدولي الراهن وغياب الجدية في التعاطي مع الملف السياسي في سوريا، ويشكل هذا التوظيف عامل تهديد للوضع الإنساني في شمال غربي سوريا ويفرض شللاً وحالة من العطالة على عمل المنظمات الإنسانية، وغياباً للاستقرار في تدفق المساعدات المنقذة للحياة بما يهدد حياة أكثر من 4 ملايين مدني نصفهم مهجرون.
إنّ ما قامت به روسيا على مدى سنوات من قتل المدنيين وتدمير البنية التحتية وقصف المشافي والمدارس والأسواق هي جرائم حرب ويجب ألا تبقى دون حساب، وإنّ استمرار الصمت الدولي والأممي سيطلق يدها أكثر في مواصلة استهداف المدنيين وتهديد لحياة أكثر من 4 ملايين مدني في شمال غربي سوريا.
كان التدخل الروسي المباشر في سوريا نقطة فاصلة لها أثرها المدمر على مسعى السوريين بالحصول على حياة كريمة، وبل تأثير مدمر على سوريا نفسها، واليوم وبعد مضي 9 سنوات على ذلك التدخل أصبح جلياً أن ذريعة روسيا المتمثلة حماية حليف استراتيجي، وتعزيز وجودها العسكري في الشرق الأوسط، واستعادة دورها على الساحة الدولية لم يكن إلّا غطاءً لاغتيال حلم السوريين بالتغيير، لكن السماح لروسيا بالوصول إلى مسعاها ما هو إلّا فتح باب لآخرين كي يحذو حذوها ويلقوا بالقوانين والالتزامات الدولية بعرض الحائط، وعليه فأن المجتمع الدولي مطالب بالوقوف أمام مسؤولياته وحماية المدنيين في سوريا، والسعي الجاد لمحاسبة مرتكبي الجرائم، عبر آليات واضحة للقرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن والذي يفتح الباب لتحقيق العدالة للسوريين بعد أكثر من 13 عاماً من المأساة.
"