نظام الأسد وروسيا يقتلون 63 طفلاً منذ حزيران…من يحمي أطفال سوريا؟
لا يمكن أن يبقى قتل الأطفال وتدمير مستقبلهم أمراً عادياً لا يلتفت إليه المجتمع الدولي ومنظمات الأمم المتحدة، إن إفلات نظام الأسد من العقاب هو ما جعله يمعن أكثر في الاستمرار بجرائمه
على مدى أكثر من عشر سنوات ما يزال الأطفال في سوريا هم الضحية الأكبر للحرب التي يشنها نظام الأسد وحليفه الروسي، وباتوا اليوم أمام نقطة اللاعودة مع عواقب بعيدة المدى لضياع جيل كامل، عدا عن عشرات آلاف قتلوا أو أصيبوا، وآخرين تائهون في أتون النزوح، يكافحون اليوم لاستعادة حياتهم الطبيعية، دون أي جدوى بل على العكس من ذلك يفقدون أحلامھم وفرصھم، و يفقدون طفولتھم، ويحرمون من حقوقھم كأطفال، ما يجعلهم عرضة أكثر ليكونوا ضحايا بكافة الأشكال مادياً وفكرياً بعد أن ولدوا في زمن الحرب ولا يمكن التكهن أبداً بمستقبلهم، لكن بالتأكيد لن يكون ذلك المستقبل المنشود.
مقتل 63 طفلاً منذ بداية حزيران
رغم التوصل لوقف لإطلاق النار في شمال غربي سوريا في 6 آذار عام 2020 لكن ذلك لا يعني أن القتل توقف أبداً، بل مايزال مستمراً لكن بدون أن يلتفت العالم لما يحصل، و منذ بداية شهر حزيران
الماضي، كثّفت قوات النظام وروسيا من حملتهم العسكرية على شمال غربي سوريا، وكان الأطفال الضحية الأكبر لتلك الهجمات، حيث وثق الدفاع المدني السوري مقتل 63 طفلاً منذ بداية شهر حزيران حتى أمس الأربعاء 17 تشرين الثاني، قتلوا جميعهم بسبب الهجمات المدفعية والغارات الجوية على مدن وبلدات شمال سوريا.
فيما كانت حصيلة أربعة أشهر من الهجمات الممنهجة استمرت من بداية حزيران حتى نهاية شهر أيلول مقتل 130 مدنياً بينهم 56 طفلاً ويعد هذا رقماً كبيراً بعدد الضحايا الأطفال مقارنة بالعدد الكلي.
ومنذ عام 2019 وثقت فرق الدفاع المدني السوري مقتل أكثر من 2600 شخص كان من ضمنهم أكثر من 640 طفلاً، في شمال غربي سوريا، وهؤلاء الضحايا هم فقط الذين استجاب الدفاع المدني السوري للهجمات التي استهدفتهم من قبل قوات النظام وروسيا.
هجمات ممنهجة بقذائف موجهة بالليزر
اتبعت قوات النظام وروسيا خلال حملتها الأخيرة سياستها المعتادة، باستهداف منازل المدنيين والمنشآت الحيوية، بهدف قتل أكبر عدد من المدنيين وتهجير السكان من منازلهم وإفراغ المنطقة، وبعكس المعلن عنه، فقد تضاعف بشكل كبير عدد الضحايا مع بدء النظام وروسيا باستخدام قذائف الكراسنبول الموجهة ليزرياً، و بحسب توثيقات فرق الدفاع المدني السوري فإن أكثر من 90% من الضحايا خلال الفترات الأخيرة كانوا باستخدام هذا السلاح، ومن معظم الضحايا من عائلات واحدة.
الآثار النفسية
تضاعف عدد الأطفال الذين ظهرت عليهم أعراض الضيق النفسي والاجتماعي بعد اندلاع الحرب في سوريا، فالتعرض المستمر للعنف والخوف الشديد والصدمات له تأثير كبير على الصحة النفسية للأطفال، مع ما تخلفه من آثار قصيرة وطويلة الأمد، وأغلب الأطفال الموجودين حالياً في شمال غربي سوريا يعيشون آثاراً نفسية متفاوتة نتيجة التعرض لحوادث القصف أو بسبب عدم الاستقرار وغياب المحيط الاجتماعي الملائم ولاسيما في المخيمات، ما ينذر بكارثة نفسية تهدد هذا الجيل وهي قتل ولكن من نوع آخر ولا تقل خطورته عن القتل بالقصف.
شتاء قادم على أكثر من 500 ألف طفل في المخيمات
يعيش أكثر من 500 ألف طفل في مخيمات شمال غربي سوريا والتي تضم أكثر من 1.5 مليون مدني، مهجرون قسراً من مختلف مناطق سوريا، وتفتقد تلك المخيمات للبنية التحتية ولمقومات الحياة، وتوفي العام الماضي طفل وأصيب أربعة آخرون بانهيار خيامهم جراء السيول والرياح، ومع اقتراب فصل الشتاء تعود المعاناة من
جديد مع السيول والأمطار والصقيع، وعدم قدرة العائلات على تأمين مواد التدفئة لانعدام الدخل المادي لأغلب الأسر.
ومن الواضح أن فصل الشتاء هذا سيكون الأسوأ على الأطفال حيث تعتبر المخيمات من أكثر التجمعات السكانية عرضة لانتشار العدوى بفيروس كورونا، بسبب طبيعة الخيام المتلاصقة واستحالة التباعد الاجتماعي،
وأغلب الأسر غير قادرة على تغطية احتياجاتها المعيشية الأساسية من الغذاء، وبالتالي ضعف قدرتها على تأمين وسائل النظافة الشخصية ووسائل الحماية (الكمامات) والمياه وخدمات الصرف الصحي لتشكل هذه الحالة بيئة مواتية لانتشار الأمراض الشتوية، خصوصا فيروسات الإنفلونزا الموسمية، والتي ستعقد من الاستجابة لجائحة كورونا، حيث بدأت أعداد الإصابات والوفيات ترتفع بشكل كبير جداً مع عجز تام في القطاع الصحي بسبب ضعف بنيته التحتية التي دمرها قصف نظام الأسد وروسيا.
المدارس هدف دائم لقصف نظام الأسد وروسيا
تخلف الحروب آثاراً لا تنتهي بسهولة، لكن أخطرها على الإطلاق عندما تستهدف المرافق التعليمية، لأن أجيالاً ستدمر، وسيدمر معها مستقبل، ونتائجها الكارثية ستبقى لعقود قادمة.
يشبه التعليم في سوريا أي تفصيل آخر أنهكته سنوات الحرب، وبات ندبة واضحة، ويدفع الأطفال ثمن ذلك فاتورة باهظة من مستقبلهم، بسبب الهجمات الممنهجة لنظام الأسد وحليفه الروسي والتي جعلت من المدارس والمنشآت التعليمية هدفاً لها، ليس فقط لتدمير البنية التحتية وقتل الأطفال، إنما للحكم على مستقبل سوريا بالإعدام.
هجمات ممنهجة على المدارس
تسببت العمليات العسكرية والقصف الممنهج الذي تقوم به روسيا وقوات النظام، لتضرر آلاف المدارس منذ عام 2011، وخلال الأعوام الثلاثة الماضية، كان شمال غربي سوريا يتعرض لحملات عسكرية متواصلة منذ 2019 حتى اليوم، رغم اتفاق وقف إطلاق النار المؤقت الذي دخل حيز التنفيذ في آذار 2020 لكن الاتفاق لم يوقف الهجمات بشكل نهائي وإنما تراجعت حدتها نسبياً، و استجاب الدفاع المدني السوري لأكثر من 135 هجوماً شنته قوات النظام وحليفها الروسي على مدارس ومنشآت تعليمية في شمال غربي سوريا، وكانت الهجمات موزعة على 89 هجوماً في عام 2019، و40 هجوماً في 2020، وأكثر من 5 هجمات منذ بداية العام الحالي.
النزوح المتكرر يحرم الطلاب من التعليم
لم تكن الهجمات المباشرة للنظام ورسيا واستهداف المدارس هي الخطر الوحيد الذي يواجهه الطلاب، لكن النزوح المتكرر للطلاب كانت آثاره كارثية أيضاً وخاصة أن موجات النزوح التي كانت ذروتها في نهاية عام 2019 وبداية عام 2020 كانت كبيرة جداً ولا يوجد بنية تحتية لاستيعاب أكثر من مليون ونصف مليون مدني نزحوا خلال فترة قصيرة، ما أدى لتوقف التعليم نحو عام كامل بسبب الخوف أيضاً من استمرار استهداف المدارس.
وبحسب مديرية التربية في إدلب، التي تضم مناطق إدلب وريف حلب الغربي، يبلغ عدد المدارس أكثر من 1200 مدرسة تختلف حالتها الأمنية، فمنها الآمن، ومنها الآمن نسبياً، ومنها الخطر.
ومن تلك المدارس 94 خارج الخدمة لقربها من خطوط التماس مع قوات النظام أو لإشغالها من قبل المهجّرين بعد أن أصبحت مسكناً مؤقتاً لهم، ويبلغ عدد الطلاب في هذه المدارس أكثر من 350 ألف طالب في المدارس التابعة لها، 60٪ منهم ضمن الشريحة العمرية من 6 إلى 9 سنوات.
إن الهجمات التي يشنها نظام الأسد وروسيا على المدارس منذ عشر سنوات، لم تكن صدفة أو مجرد هدف عادي ضمن أهداف حربهم التدميرية على السوريين وإنما كانت ممنهجة ومتعمدة وتهدف بشكل مباشر لتدمير مستقبل الأطفال.
عمالة الأطفال
بسبب ظروف الحرب التي تمر بها سوريا وفقدان عدد كبير من الأسر معيلها، أو بسبب فقدان الأسر مصادر دخلها بعد أن هجرها نظام الأسد وروسيا من منازلهم، باتت عمالة الأطفال أمراً واقعاً يرتبط بواقع سيء يحتاج لجهود كبيرة للتعافي منه.
ويوجد أكثر من 2.4 مليون طفل سوري غير ملتحقين بالمدرسة، منهم 40% تقريبا من الفتيات، حسب تقارير من منظمة اليونيسيف، ومن المرجح أن يكون العدد قد ارتفع خلال عام 2020 المنصرم، نتيجة تأثير جائحة "كوفيد-19" التي أدت إلى تفاقم تعطّل التعليم في سوريا، وتقول المنظمة إن 6.1 ملايين طفل سوري بحاجة إلى المساعدة، وهي زيادة بمعدل 20% عن العام الماضي فقط، مضيفة أن تزايد الفقر ونقص الوقود وارتفاع أسعار المواد الغذائية يجبر الأطفال على ترك المدرسة والتوجه إلى العمل.
لا يمكن أن يبقى قتل الأطفال وتدمير مستقبلهم أمراً عادياً لا يلتفت إليه المجتمع الدولي ومنظمات الأمم المتحدة، إن إفلات نظام الأسد من العقاب هو ما جعله يمعن أكثر في الاستمرار بجرائمه وتطوير أسلحته واستخدام أسلحة دقيقة بما لا يترك مجالاً للشك بأن هجماته متعمدة والهدف منها هو قتل المدنيين وخاصة الأطفال وترهيبهم.
ينبغي على المجتمع الدولي وضع حد للهجمات القاتلة على الأطفال وحمايتهم ومحاسبة من ارتكب الجرائم بحقهم، وبذل كل الجهد لدعم الأطفال لاستعادة مستقبلهم لأنهم الضامن الوحيد لمستقبل سوريا.