التدخل الروسي في سوريا خمس سنوات ومحرقة القتل والتهجير مستمرة

روسيا تقف ضد الحل السياسي في سوريا للحفاظ على مكتسباتها التي حصلتها كثمن لدعمها نظام الأسد

لا يزال التدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا مستمراً، بعد أن بدأ في 30 من أيلول 2015 تحت مزاعم محاربة الإرهاب، لتنتهي السنة الخامسة من المحرقة بحق السوريين، وتبدأ سنة جديدة قد لا تكون أفضل من سابقاتها، ويعدّ هذا التدخل من أهمّ نقاط التحول في الموازين على الأرض لمصلحة قوات النظام، فقد أدى بدايةً إلى سيطرته على مركز مدينة حلب والمناطق الشرقية منها، تبعها قضم مستمرّ لما يعرف بمناطق خفض التصعيد في الجنوب والغوطة الشرقية لدمشق وحمص ودرعا وبعض مناطق إدلب وحماة وحلب.

وخلّف هذا التدخل نتائج كارثية على المستويات الإنسانية بعدد الضحايا والمجاز وبعمليات التهجير وتدمير البنية التحتية، والتي تحتاج سوريا لسنوات حتى تتمكن من التعافي من نتائجه، لاسيما أن المدن و البلدات السورية الخارجة عن سيطرة قوات النظام تحولت لساحة حرب تصب الترسانة العسكرية الروسية كل قوتها التدميرية فيها، بمشهد وصف بأنه الأكثر تدميراً منذ الحرب العالمية الثانية، لا بل أن روسيا خرجت عن المألوف متباهية بجعل أجساد السوريين حقول تجارب لأسلحتها الفتاكة لتزيد من مبيعاتها من تلك الأسلحة.

أكثر من 12 ألف مدني بين قتيل وجريح

أدت الاستهدافات الروسية لمختلف مناطق سوريا على مدى السنوات الخمسة الماضية لمقتل أعداد كبيرة من المدنيين، ووثقت فرقنا خلال الفترة الممتدة من 30 أيلول 2015 حتى 20 أيلول 2020 مقتل 3966 مدنياً بينهم أطفال ونساء، وتعبّر هذه الأرقام عن المدنيين الذين استجابت لهم فرقنا وقامت بانتشال جثثهم، لأن عدداً كبيراً يتوفى بعد إسعافه، أو بعد أيام من إصابته، وهذه الأعداد لا توثقها فرقنا، وتمكنت فرقنا من إنقاذ 8121 مدنياً أصيبوا جراء الغارات والقصف الروسي.

فيما فقد الدفاع المدني السوري 36 متطوعاً وجرح 158 متطوعاً جراء الغارات المزدوجة والاستهداف المباشر من قبل الطيران الروسي للفرق أثناء عمليات البحث والإنقاذ وقيامهم بواجبهم الإنساني.

روسيا ترتكب 182 مجزرة

وثقت فرق الدفاع المدني السوري ارتكاب روسيا 182 مجزرة في سوريا، منذ بدء تدخلها العسكري المباشر لصالح قوات النظام في 30 أيلول 2015 حتى الآن، وأدت تلك المجازر لمقتل 2228 مدنياً وإصابة 3172 آخرين، وأغلب تلك المجازر كانت باستهداف منازل المدنيين أو الأسواق والأماكن المكتظة، بهدف إيقاع أكبر عدد ممكن من المدنيين.

المنشآت الحيوية هدف مباشر لروسيا

تركزت الهجمات الروسية على مراكز المدن ومنازل المدنيين والمرافق الحيوية، بهدف تهجير المدنيين وتدمير كافة أشكال الحياة التي تدعم استقرارهم، حيث استهدفت 69٪ من تلك الهجمات منازل المدنيين بواقع (3784 هجوماً)، فيما كانت الحقول الزراعية بالمرتبة الثانية 15٪ من الهجمات (821 هجوماً)، ومن ثم الطرق الرئيسية والفرعية 6٪ (324 هجوماً) ومن ثم المشافي والمراكز الطبية بـ (70 هجوماً) ومراكز الدفاع المدني 59 هجوماً، والأسواق الشعبية بـ (53 هجوماً) و(46 هجوماً) استهدف مدارس و (23 هجوماً) استهدف مخيمات تؤوي نازحين، إضافة لعشرات الهجمات التي استهدفت مساجد وأفراناً ومعامل وأبنية عامة.

النصيب الأكبر من الهجمات الروسية استهدف إدلب

توزعت الهجمات الروسية التي يبلغ عددها (5476 هجوماً) منذ بدء التدخل على أغلب المحافظات السوري وكان لإدلب النصيب الأكبر منها، بواقع (3279 هجوماً) فيما تم استهداف حلب وريفها بـ (1167 هجوماً) تلتها حماة بـ ( 515 هجوماً) وريف دمشق بـ (255 هجوماً) وكان عام 2019 الأعنف، حيث وقع فيه (1567 هجوماً).

الأرض المحروقة

اتبعت روسيا سياسة الأرض المحروقة في دعمها لقوات النظام على مدى السنوات الخمس الماضية، وتنوعت الأسلحة المستخدمة بالهجمات على المدنيين من قبل القوات الروسية، وكان معظمها بالغارات الجوية بنسبة 92٪ من الهجمات وبلغ عددها 5025 غارة، فيما شنت روسيا (318هجوماً) بالقنابل العنقودية المحرمة دولياً، و استخدمت كذلك الأسلحة الحارقة في (130 هجوماً) على المدنيين في سوريا.

تهجير وإفراغ المدن

مع بدء التدخل الروسي لصالح نظام الأسد في سوريا بدأت حملات التهجير وافراغ المدن تتوسع ، وكانت أولى نتائج ذلك التدخل بتدمير الأحياء الشرقية في مدينة حلب في عام 2016 وتهجير سكانها، لينتقل بعدها التهجير إلى ريف دمشق الغربي وأحياء دمشق الشرقية عام 2017، وكان عام 2018 هو عام التهجير بامتياز، حيث شمل الغوطة الشرقية والقلمون أحياء دمشق الجنوبية بريف دمشق، وريف حمص الشمالي، إضافة للجنوب السوري الذي يضم القنيطرة ودرعا.

ولم تتوقف حملات التهجير التي كانت تترافق بقصف مكثف من قبل الطيران الحربي الروسي، ووصفت الأمم المتحدة موجات النزوح التي شهدها الشمال السوري خلال الحملة العسكرية للنظام العام الماضي، بأنها الأكبر بتاريخ سوريا، حيث أجبر أكثر من 1,182,772 مدنياً على ترك منازلهم والهرب من الموت خلال عام 2019، فيما بلغ عدد النازحين منذ تشرين الثاني حتى 2019 حتى نهاية شباط 2020 أكثر من 1,037,890 شخص، منهم من نزح أكثر من خمس مرات على فترات متفرقة بالتزامن مع الحملات العسكرية التي شنها النظام وروسيا على مناطقهم في أرياف إدلب وحماة وحلب، بالإضافة إلى المدن القريبة من خطوط التماس كأريحا وسرمين ودارة عزة والأتارب.

وتوجه نصف مليون نازح إلى مخيمات الشريط الحدودي مع تركيا والتي كانت تضم نحو مليون نازح ليرتفع العدد فيها إلى مليون ونصف مليون نازح، في حين توجه القسم الأخر إلى ريفي حلب الشمالي والشرقي عفرين واعزاز والباب وجرابلس.

لا تزال عودة النازحين في الشمال السوري، إلى مناطقهم في ريفي إدلب وحلب التي هجرهم منها النظام وحليفه الروسي خلال الحملة العسكرية الأخيرة محدودة رغم وقف إطلاق النار الذي تم التوقيع عليه في 5 آذار ويخرق النظام ورسيا بشكل يومي خرق وقف اطلاق النار ويستهدفون بقصف جوي وأرضي منازل المدنيين.

هدن واتفاقات بلا تنفيذ

حاولت روسيا منذ تدخلها عسكريا بشكل مباشر، أن تفرض هدناً شكلية بهدف التفرد والسيطرة على الأرض بحجج خرق هذه الهدن وتكررت تلك الهدن الزائفة والتي كانت بالغالب من طرف روسيا والنظام فقط، دون أي ضمانات دولية، وكانت تسبق أي حملة عسكرية، ومن أهم تلك الاتفاقات والتي بالرغم من أن روسيا شاركت فيها لكنها تنصلت منها وكانت آثارها كارثية، هي اتفاق خفض التصعيد الذي وقّع في آيار عام 2017 وتضم مناطق خفض التصعيد محافظة إدلب وأجزاء معينة من المحافظات المجاورة (اللاذقية، حماة، وحلب). ومناطق معينة من شمال محافظة حمص، الغوطة الشرقية، مناطق معيّنة من جنوبي سوريا (محافظتي درعا والقنيطرة)، ولم تلتزم روسيا بالاتفاق واستولت على تلك المناطق واحدة تلو الأخرى بعد أن دمرتها لم يبقَ إلا منطقة خفض التصعيد الأولى والتي تضم إدلب وأجزاء من حلب واللاذقية وحماة.

وفي 17 أيلول من عام 2018 توصلت تركيا وروسيا لاتفاق سوتشي حول إدلب،ولكن روسيا أيضا خرقت هذا الاتفاق، ودعمت قوات النظام بشن حملة عسكرية على الشمال السوري في 26 نيسان عام 2019، واستمرت حتى 5 آذار من عام 2020، حيث تم توقيع اتفاق وقف إطلاق النار ودخل حيز التنفيذ في 6 آذار، ولكن قوات النظام وروسيا تخرق بشكل يومي وقف إطلاق النار وتهدد بشكل دائم بشن حملة عسكرية جديدة.

دعم سياسي بمجلس الأمن

استمرت روسيا بدعم نظام الأسد سياسياً بالتوازي مع الدعم العسكري، عبر 16 فيتو في مجلس الأمن الدولي وكان أخرها التصويت ضد تمديد التفويض لآلية إدخال المساعدات العابرة للحدود و الضغط للاقتصار على معبر واحد، وحقوقياً عبر التصويت دائماً ضد كافة قرارات مجلس حقوق الإنسان، وضدَّ تمديد عمل لجنة التحقيق الدولية في سوريا، وضدَّ إنشاء آلية التحقيق المحايدة المستقلة، وضدَّ عمل لجنة نزع الأسلحة الكيميائية.

تنصل روسي من أي التزام

أقدمت روسيا في شهر حزيران من العام الحالي على الانسحاب من الآلية الطوعية التي تقودها الأمم المتحدة لحماية المستشفيات وشحنات المساعدات الإنسانية في سوريا من الاستهداف، وهو دليل على عدوانيتها تجاه المدنيين وتنصل واضح من جميع القيم الإنسانية و عدم احترام القوانين الدولية، علماً أن وجود روسيا في الآلية لم يمنع قواتها من استهداف المشافي والمنشآت المدنية بشكل ممنهج، وهو ما أثبتته جهات محايدة بدلائل قاطعة مسبقاً.

روسيا ضد الحل السياسي في سوريا

ساهم اصطفاف روسيا كقوة أجنبية إلى جانب قوات النظام في زيادة الشرخ بين السوريين وإبعاد الحل السياسي بسبب تضارب مصالح روسيا مع مصالح الشعب السوري، كما إن سيطرتها على الموارد الطبيعية من نفط وفوسفات وغاز والموانئ سيكون له أثر مدمر على سوريا ولن يسمح لها بالتعافي أبداً، وسيبقى من مصلحة روسيا الوقوف ضد الحل السياسي حتى لا تخسر الامتيازات التي حصلتها من نظام الأسد.

إن المحرقة الروسية بحق المدنيين في سوريا بهدف دعم نظام الأسد، ستستمر طالما أن المجتمع الدولي يغض الطرف عن الجرائم، وما قامت به روسيا على مدى سنوات من قتل المدنيين وتدمير البنية التحتية وقصف المشافي والمدارس والأسواق يجب ألا يبقى دون حساب، وإن استمرار الصمت الدولي والأممي سيطلق يدها في الاستمرار باستهداف المدنيين ومسح مدن على الخارطة وتهجير سكانها، فالمجتمع الدولي مطالب بالوقوف أمام مسؤولياته وحماية المدنيين في سوريا، والسعي الجاد لمحاسبة مرتكبي الجرائم بحق المدنيين.

للإطلاع على كامل التقرير يرجى الضغط هنا: